إلى أن تنازل معه الرسول وقال له:«فصم يوماً وأفطر يوماً، فإنه أفضل الصيام وهو صوم داود عليه السلام، وكان لا يفر إذا لاقى».
هنا سر، «كان لا يَفِر إذا لاقى»، بمعنى أنه جمع بهذا الأسلوب في الصيام بين القوتين، بين المحافظة على قوة البدن، والمحافظة على قوة الروح.
الحياة هذه السعيدة التي يحياها الإنسان في عبادته لله تبارك وتعالى، أما إذا صام الدهر، فقُوَّته تذهب، فإذا لاقى العدو فَرَّ ولا يثبت، وحينئذٍ يكون مثله كمثل -كما يقال- من يبني قَصراً ويهدم مِصْراً.
لا، صم صوم داود عليه السلام؛ فإنه أفضل الصيام، وفي رواية:«أعدل الصيام».
«كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان لا يفر إذا لاقى» يعني: العدو.
«قال: يا رسول الله! إني أريد أفضل من ذلك. قال: لا أفضل من ذلك».
كيف هذا وهو كان يصوم ويواصل في الصيام، هذه خصوصية له عليه السلام.
قلت آنفاً: خصوصية من ناحيتين: من ناحية أن الشارع الحكيم رب العالمين أجاز له ما لم يُجِز للمسلمين.
ومن ناحية ثانية: خصوصية هذه قلت: القوة على الصيام يمكن أن يحظى بها كثير من الناس، لكن أُنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، هذه خصوصية له، وليس هذا الطعام طعاماً مادياً، وإنما هو طعام إذا صح التعبير عنه روحي، معنوي، وإلا لا يكون صائماً عليه السلام، لا ليل ولا نهار.
ولذلك ذكر ابن القيم رحمه الله بيتين يصف عشيقته، قال:
لها أحاديث من ذكراك تشغلني عن الطعام وعن كذا وكذا .. إلى آخره.