للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القراءة، فقال في آخر الحديث: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب».

الشيخ: أقول إيجازًا للسائل ومن قد يكون في نفسه أثر لهذا السؤال: هذا الحديث يظن كثير من الناس أنه يفيد وجوب قراءة الفاتحة على المؤتم، هنا مسألة فيها دقة لها علاقة بعلم أصول الفقه: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب» لا تفعلوا، أي: لا تقرؤوا شيئًا من القرآن، هنا نهي، ثم جاء الاستثناء إلا بفاتحة الكتاب، هذا الاستثناء يفيد جواز قراءة الفاتحة وليس وجوب قراءة الفاتحة؛ لأن المستثنى من النهي يفيد الإباحة ولا يفيد الوجوب، محرم على المحرم بالحج أو العمرة يصطاد، فلما قال الله عز وجل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] هذا الأمر لا يفيد الوجوب وإنما يرفع الحضر السابق، وهو تحريم الصيد على المحرم، مثله قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ٩ - ١٠] فقوله: {فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] لا يعني أنه فرض عليهم الانتشار وإنما يعني: جاز لكم الانتشار بعد أن حرمت عليكم الانتشار بقوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] فإذًا: لا يعني هذا الاستثناء وجوب الفاتحة؛ لأن هذا الاستثناء من النهي، فالاستثناء من النهي لا يعني الوجوب وإنما يعني الإباحة.

والذي يؤكد هذا المعنى الدقيق لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب» انظر التعبير يختلف .. فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب .. الرواية الثانية: إلا أن تقرؤوا فلا يفيد الوجوب فإذا جاء الحديث أو أحاديث تدل على عدم وجوب قراءة الفاتحة وراء الإمام في الجهرية فلا منافاة بينها .. بين ما دلت عليه هذه الأحاديث وبين الحديث الذي ذكره الشاهد: «فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب» لا سيما على رواية الإمام أحمد: «إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب».

(لقاءات المدينة لعام ١٤٠٨ هـ (٢) /٠٠: ٤٨: ٠٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>