وحينئذٍ لو صح الحديث فليس له علاقة بالسكتة المبتدعة التي وجدت لتسليك القول بوجوب قراءة الفاتحة على المقتدين في الصلاة الجهرية.
والحقيقة هنا عِبْرة: إن الذين ذهبوا إلى القول بوجوب قراءة الفاتحة للمقتدي في الجهرية، كأنهم شعروا في ذوات نفوسهم، أنه غير معقول في الفقه أن يقال: انصت واقرأ. وجدوه غريباً جداً، ولذلك حَلّوا المشكلة، وقالوا للإمام اسكت أنت، بدل ما المقتدين يسكتوا إصغاء لقراءة الإمام، قيل للإمام اسكت أنت عن قراءة شيء بعد الفاتحة، حتى يتفرغ المقتدون لقراءتها، هذا قلب لنظام القدوة.
فالحديث ضعيف لا يجوز الأخذ به، ولذلك قال ابن القيم الجوزية رحمه الله: إنه لو كان هناك سكتة بعد قراءة الإمام للفاتحة، تتسع هذه السكتة لقراءة الفاتحة من المقتدين، لكان هناك فجوة تدفع الناس الذين يُصَلّون وراء الرسول إلى أن يسألوه أن هذه السكتة ماذا تفعل فيها؟ كما فعلوا بالنسبة للسكتة الأولى، حديث سمرة سكت سكتتين، وحديث أبي هريرة ذكر أيضاً سكتتين، لكن حديث سمرة ضعيف بسبب عنعنة الحسن، حديث أبي هريرة صحيح في البخاري ومسلم، نصه، قال:«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة سكت هُنَيّة، فقلنا: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب .. » إلى آخر الدعاء المعروف، وهو أصح أدعية الاستفتاح.
إذاً: هناك وُجِدَ من الرسول عليه السلام بعد تكبيرة الإحرام سكتة غير معهودة عنه، فكان هذا السكوت من الدواعي ومن الدوافع، تدفع الصحابة إلى أن يقولوا له: ما معنى هذه السكتة، قال: أقول كذا وكذا، فلو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يسكت أخت السكتة هذه بعد قراءة الفاتحة، كان هو أيضاً سأله هو أو غيره، كما سأل هو بالنسبة للسكتة الأولى، قال: ماذا تقول؟ قال: أقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي .. ».
وهنا لم يسأله أحد: لماذا تسكت يا رسول الله في هذه السكتة الطويلة بعد الفاتحة.