للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعظمائها، يقومون على رؤوس ملوكهم».

وهذا الحديث يدلُّنا على شيء هام، نرى كثيراً من الشباب المسلم، وفيهم بعض طلبة العلم، أنهم يتوهمون أن التشبه المحظور والممنوع في الشرع: هو الذي يتقصد المسلم التشبه بالكافر، ليس الأمر كذلك، التشبه هي ظاهرة -صورة- لا يُنْظَر فيها إلى ما في قلب هذا المتشبه، وإنما إلى عمله.

وأكبر دليل على ذلك ما نحن الآن في صدده، هم في الصلاة {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} لا يخطر في بال أحدهم أن يُعَظِّم الرسول بهذا القيام، مع ذلك قال لهم: «إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس بعظمائها، يقومون على رؤوس ملوكهم».

فهل يجوز لهم أن يقوموا بعد ذلك خلف الرسول عليه السلام إذا مرض وصلى جالساً، لا يفعلون ذلك، لذلك قال: «إذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين».

الشاهد أن هذا حكم مُعَلّل بعلة، ممكن نسخ حكم لكن لا يمكن نسخ حكم مُعَلّل بعلة معلل بعلة، وهذه العلة مستمرة إلى يوم القيامة، وهذا من هذا القبيل.

لذلك: إِنْ ثَبَتَ أَنَّ صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته -الحقيقة في أحاديث هذه الصلاة، فرائق كثيرة جدًا يعترض فيها علماء الحديث، في بعض الروايات الصحيحة سنداً أن الإمام كان هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- والنبي كان يصلي خلفه هذا في آخر صلاة صلاها، وفي رواية أخرى أيضاً صحيحة، أن الإمام كان الرسول عليه السلام وأن أبا بكر كان يُسْمِع تكبيره من قام خلفه ...... مع هذا الافتراض إن سُلِّم- وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إماماً، وأن الناس صلوا خلفه قائمين، فهناك جوابان اثنان.

الجواب الأول: مروي عن الإمام أحمد، توفيقاً بين هذه الحادثة وبين حديث «صلوا جلوسا أجمعين» وهذا التوفيق قائم على أساسِ: أن هذه الحادثة -صلاة الرسول عليه السلام جالساً والناس خلفه قياماً- كانت بعد قوله: «صلوا جلوسا

<<  <  ج: ص:  >  >>