الوزراء والعظماء من حَوْلِه قياما، فهو يجلس طَلبًا لتعظيمه، وأولئك يقومون من حوله تحقيقاً لرغبته، بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس مضطراً، وهو الذي أنزل الله عليه عز وجل:«وقوموا لله قانتين» فهو أول العالمين بفرضية القيام، لكن «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها».
فهو إذاً: جَلَس مضطراً، لم يجلس جلوس كسرى وأمثاله؛ أما الصحابة فأيضاً قاموا خلفه تحقيقاً للآية السابقة:«وقوموا لله قانتين» ما قاموا -ولا يخطر في بال أحدهم وخاصةً في الصلاة أن يقوم- تعظيماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بينما هو قام لله ربِّ العالمين، ما كان ليخطر في بالهم أن يقوموا له عليه السلام خارج الصلاة، فكيف بهم يقومون له في وَسَطِ الصلاة؟ ! وهم يعلمون كما حدثنا خادمه أنس ابن مالك -رضي الله عنه- في حديثه الشهير الصحيح والمروي في «الأدب المفرد» للإمام البخاري و «سنن الترمذي» بالسند الصحيح على شرط مسلم عن أنس ابن مالك: ما كان شخص أحبّ إليه من رسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان في رواية «ما كان شخص أَحَبّ إليه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيةً، وكانوا لا يقومون له، لِمَا يعلمون من كراهيته لذلك».
إذا دخل المجلس كان من أدبه عليه السلام وخُلُقه وتواضعه المعروف أنه يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقوم له أحدٌ، لماذا؟ لأنهم -لا يعظمونه- لتعزروه وتوقروه في نص القران الكريم، فهم أشد الناسِ تعظيماً لنبيهم، وأعرف الناس جميعاً بِقدِره عليه السلام ولكن في حدود ما شرع الله، لأنه عليه السلام: رَبَّاهم وأَدَّبهم على خير تأديب يمكن أن يكون على وجه الأرض.
فإذا كان هؤلاء الصحابة لا يخطر في بالهم أن يقوموا له تعظيما إذا دخل عليهم في المجلس ليس في الصلاة، فلن يخطر ولم يخطر في بال أحدهم أن يقوم خلف النبي وهو يصلي جالسا تعظيمًا له، مع هذه المفارقة بين الصورة من النبي والصحابة، وتلك الصورة من كسرى وأصحابه: «إن كدتم -آنفا- تفعلون فعل فارس