كثيرين منهم أن من إقامة الصف تسويته بالأقدام، وليس فقط بالمناكب، بل لقد سمعنا مرارًا من بعض أئمة المساجد -حين يامرون بالتسوية- التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب دون الأقدام! ولما كان ذلك خلاف الثابت في السنة الصحيحة، رأيت أنه لا بد من ذكر ما ورد فيه من الحديث، تذكيرًا لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة، غير مغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.
فأقول لقد صح في ذلك حديثان:
الأول: من حديث أنس.
والثاني: من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
أما حديث أنس فهو:«أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري».
وأما حديث النعمان فهو:«أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم».
وفي هذين الحديثين فوائد هامة: الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها، للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب إلا لقرينة، كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أو ليخالفن الله بين قلوبكم». فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب، كما لا يخفى. الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب، وحافة القدم بالقدم، لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف «١/ ٧٢» ولهذا قال الحافظ في «الفتح» بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس: «وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته». ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها إلا القليل منهم، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث، فإني رأيتهم في مكة سنة «١٣٦٨» حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام بخلاف غيرهم من