للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإني لأذكر -جيداً- أنه كان أُتِيح لي الذهاب إلى مصر، وزرتُ بعضَ البلاد هناك، لعلها سُوهاج أو غيرها، نسيت اسمها، فأخذني بعض أصحابي هناك إلى مسجد يُبْنَى جديداً، فقالوا لي: هنا سيكون الميضَأَة وهنا المرحاض، وهنا باب لي، قلت لهم: وأين باب النساء؟ قالوا: جزاك الله خيراً، فوضعوا مكاناً يُتَخَذ منه باب للنساء.

هذا أمر سهل، مع ذلك فالناس في غفلة، لكن الشيء الصعب الذي كان لا يمكن تحقيقه إلا في هذا الزمان، أن يُبنى مسجد مهم كبيرٌ واسع، دون أعمدة؛ لأن هذه الأعمدة تكون سبباً لتعريض صلاة المصلين، لا أقول للبطلان والفساد، وإنما على الأقل للنقص من الثواب.

ذلك لأنه قد جاء عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان اثنان، أحدُهما: من حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نُطْرَد عن الصف بين السَّوَاري طرداً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحديث الآخر: «لا تَصُفُّوا بين السَّواري».

الذي أوحى إليَّ بهذه الكلمة: أننا دخلنا الآن المسجد، فوجدنا صفاً بين الأعمدة الضَّخْمَة، وكِدْت أتورط أن أُصَلِّي في صف منقطع؛ لأني أُلاحظ لعل هناك صف لما يكتمل بعد، فوجدت فراغاً فَهَمَمْت أن أَسُدَّه، وإذا هو صف منقطع بسبب السواري، فهذه واحدة ينبغي ملاحظتها: «لا تصفوا بين السواري».

هذا ليس كلامي، وإنما كلام نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وفعله وأمرُه، كانوا يُطْرَدون عن الصف بين السَّواري طَرداً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الشيء الثاني: أنني تأخرت لِأَصُفّ في صَفّ غير منقطع، فوجدته والحمد لله، لكن الشيء الذي لَفَت نظري، الذي تَحاشى الاصطفاف بين السواري وقع في مخالفة أخرى، والسبب هو الغفلة أو الجهل بالسنة.

أي: كان هذا الصف بعيداً جداً عن الصف الذي بين يديه، وهو الذي يتخلله الأعمدة والسواري؛ والسبب هذه البدعة التي ابتليت بها المساجد في هذا الزمان، وهي الخطوط التي تُمَدُّ في المسجد بعضها خط بالحبر، بعضها أسلاك، بعضها .. إلى آخره.

<<  <  ج: ص:  >  >>