أما إذا كان هناك مجال للتوفيق، فحينئذ نوفق بين قوله عليه السلام وبين فعله؛ فالآن هنا عندنا أمر من الرسول عليه السلام بأن يصلي المصلون خلف الإمام الجالس جالسين، وعندنا أن الرسول عليه السلام في مرض موته صلى بالناس جالساً، والناس يصلون خلفه قياماً، فالقاعدة أن لا نضرب أحد الحديثين بالآخر ما أمكن، وإنما نُوَفِّق بينهما، والآن لننظر هل هناك مجال للتوفيق أم لا؟
أول ما يبرز لنا الموضوع، هل الفعل يدل على الوجوب أم على الجواز، كل واحد منكم عنده شيء من الثقافة العلمية الشرعية، يستطيع أن يجاوب على هذا السؤال حتى نبنيه عليه، ففعله على وجوب ما فعل أم على الجواز، ما علمكم؟
مداخلة: على الجواز.
الشيخ: على الجواز، لكن «فصلّوا قياماً أجمعين» على ماذا يدل؟
مداخلة: الوجوب.
الشيخ: يدل على الوجوب.
حسناً، إذاً: الآن الفعل هنا أقوى دلالة أم القول؟ القول أقوى.
يمكن الجمع بينهما، يمكن إمكان ولا نقول أكيد، نقول: ما دام الرسول فعل فهو يدل على الجواز، لكنه قال، فيدل على المنع؛ إذاً: نعتبر فعله في آخر حياته قرينة على أن الأمر ليس بالوجوب. وهكذا خلصنا من دعوى النسخ؛ لأن هذا الفعل ليس معه قوة نسخ الأمر الذي هو قوله عليه السلام، لكن معه شيء من القوة يدل على أن هذا الأمر ليس للوجوب وإنما للاستحباب.
فنقول -حينئذ- على هذا الجمع -ولا أتبناه-: يجوز للناس أن يصلوا خلف الإمام الجالس قائمين، لكن الأفضل أن يصلوا جالسين، تنفيذاً لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذاً الرسول وصحابته ما نفذوه، بياناً للجواز؛ لأن الرسول في موقف كونه مبيناً لشرع الله، الأفضل له في أثناء قيامه بهذا الواجب التبليغي أفضل مما يفعله