هذا وجه من وجوه الجمع، نحن الآن مكرسين جهودنا كلها لإبطال دعوى النسخ، يعني: نقول أعوذ بالله، ما ينسخ قول الرسول عليه السلام، فعله؟
لا، فعله يبين أن الأمر ليس للوجوب.
لكن ما زال معنا أشياء أخرى تساعدنا على القضاء على قول النسخ قضاءً مبرماً.
شيء ثاني: دعوى النسخ يستلزم كل صورة من صور صلاة المقتدين بالإمام الجالس، بينما الصورة التي وقعت بزمن الرسول عليه السلام وجعلها الحميدي دليل نسخ، صورة قد لا تتكرر، وإن تكررت فنادر جداً، والنادر لا حكم له، أعني: الصورة: أن الرسول وَكَّل أبا بكر بأن يصلي بالناس إماماً، وفعلاً صلى أبو بكر بالناس إماماً، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسه نشاطاً، فخرج ليقتدي بأبي بكر، فأبو بكر لما رأى الرسول خرج طار عقله فرحاً، هذا من جهة، من جهة أخرى شعر بأن الوكالة تبعه انتهت مدتها لأن الرسول وكله؛ لأنه ما يستطيع أن يصلي، وهذا جاء يصلي والحمد لله، تأخر، والرسول عليه السلام استلم نيابة عن وكيله، أي رجع الحكم إلى أصله، هنا هذه الصورة الضيقة، هذه نادرة أن تتحقق، لأن الصورة نقدر نلخصها، إمام ابتدأ الصلاة قائماً، ثم عرض له ما يقعده، في هذه الحالة الناس اقتدوا به وهو قائم، الآن يستمروا في صلاتهم قياماً؛ لأنه افتتحت الصلاة بإمام قائم، حضر الرسول عليه السلام ولا يقدر أن يصلي قائماً، صلى الناس خلفه قياماً، هذا جمع الإمام أحمد بن حنبل، فَيُفَرِّق بين إمام يبتدئ الصلاة من قعود، لا بد أن يقعدوا معه، أما إذا ابتدأ الصلاة وهو قائم، ثم عرض له ما يقعده فَيُتِمُّون هم قياماً، هذه الصورة لا تنسخ الحكم، لكن تقيده، نقول إن هذه الصورة إذا تكررت نعمل مثلما عمل الرسول والصحابة، أما المبدأ ... «فصلوا جلوساً أجمعين» هذا رقم اثنين.
رقم ثلاثة: لا يمكن القول بنسخ هذا الحكم الشرعي، «فصلوا جلوساً أجمعين»؛ لأن الحكم جاء في الشرع معلَّلاً بعلة قائمة أبد الدهر، لم تُنْسَخ، فالحكم