الذي رُبِط بهذه العلة لا يمكن أن يُنْسخ، ما هي العلة؟ التشبه بالكفار، حيث جاء في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمته دابته فأُصِيب في أكحله -عرق في العضد- وحضرت صلاة الظهر فلم يستطع الصلاة قياماً، فصلى قاعداً، فأشار إلى أصحابه أن اجلسوا، هذه الصورة التي لا تنسخ، لأنه ابتدأ الصلاة قاعداً، والجماعة قال لهم: اقعدوا، قال لهم:«كدتم أن تفعلوا -آنفاً- فعل فارس بعظمائها، يقومون على رؤوس ملوكهم، إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين».
هذا الحديث واضح جداً أن أمره عليه السلام المقتدين خلفه من قيام هو لكي لا تظهر المشابهة بين الرسول الجالس من جهة وأصحابه القائمين خلفه، وبين ملوك فارس والذين يقفون خلفهم معظمين لهم، إبطالاً لهذه الظاهرة الوثنية، قال لهم: اقعدوا.
فادعاء أن هذا الحكم منسوخ لا يتماشي مع بقاء هذا الحكم الشرعي، وهو النهي عن التشبه بالكفار.
إذاً: ادِّعاء نسخ هذا الحديث أبعد ما يكون عن الصواب.
ثالثاً وأخيراً: هذا التخريج كله، أو هذا التوجيه كله قائم على أساس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحادثة كان إماماً، وأن أبا بكر كان مقتدياً به مع الجمهور المصلين خلفه، لكن هناك روايات أخرى؛ بأن الإمام كان أبو بكر نفسه، والرسول اقتدى به، الأمر الذي حمل كثيراً من علماء الحديث مع كون الحديث في الصحيحين، على القول بأن الحديث مضطرب، أي ما عُرف بعدُ هل كان مأموماً، لأنه في بعض الروايات هكذا وبعض الروايات هكذا.
فالراجح أن القصة تَكَرَّرت، فمرة كان هو الإمام، ومرة كان هو المأموم.
ويرجح أخيراً أنه لا نسخ في ذلك أنه هناك رواية في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن طاووس مرسلاً، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، في هذه الحادثة التي صلى بالناس إماماً جالساً، والناس خلفه قياماً، قال لهم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به .. » إلى آخر