ثم قال: وفي الحديث دلالة صريحة على أن السنة في المسافر إذا اقتدى بمقيم أنه يتم ولا يقصر، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، بل حكى الإمام الشافعي في «الأم»«١/ ١٥٩» إجماع عامة العلماء على ذلك، ونقله الحافظ ابن حجر عنه في «الفتح»«٢/ ٤٦٥» وأقره، وعلى ذلك جرى عمل السلف، فروى مالك في «الموطأ»«١/ ١٦٤» عن نافع: أن ابن عمر أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته.
وفي رواية عنه: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»«٩٥٤» من طريق أخرى عن ابن عمر. وأخرجه الطحاوي في «شرح المعاني»«١/ ٢٤٤» من طريق مالك، ومن قبله الإمام محمد في «موطئه»«ص ١٢٧ - ١٢٨» وقال: «وبهذا نأخذ إذا كان الإمام مقيما والرجل مسافر، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله». وقوله:«إذا كان الإمام مقيما ... » مفهومه - ومفاهيم المشايخ معتبرة عندهم! - أن الإمام إذا كان مسافر فأتم - كما يفعل بعض الشافعية -، أن المسافر المقتدي خلفه يقصر ولا يتم، وهذا خلاف ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما، وتبعه على ذلك غيره من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود - الذي يتبنى الحنفية غالب أقواله - فإنه مع كونه كان ينكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة في منى، ويعيب ذلك عليه كما في «الصحيحين»، فإنه مع ذلك صلى أربعا كما في «سنن أبي داود»«١٩٦٠» و «البيهقي»«٣/ ١٤٤» من طريق معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله صلى أربعا، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ ! قال: الخلاف شر. وهذا يحتمل أنه صلاها أربعا وحده، ويحتمل أنه صلاها خلف عثمان، ورواية البيهقي صريحة في ذلك، فدلالتها على المراد دلالة أولوية، كما لا يخفى على العلماء. ومنهم سلمان الفارسي، فقد روى أبو يعلى الكندي قال: «خرج سلمان في ثلاثة عشر رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، وكان سلمان أسنهم، فأقيمت الصلاة، فقالوا: تقدم يا أبا عبد الله! فقال: ما