أنا بالذي أتقدم، أنتم العرب، ومنكم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليتقدم بعضكم، فتقدم بعض القوم، فصلى أربع ركعات، فلما قضى الصلاة، قال سلمان: ما لنا وللمربعة، إنما يكفينا نصف المربعة».
أخرجه عبد الرزاق «٤٢٨٣» وابن أبي شيبة «٢/ ٤٤٨» والطحاوي «١/ ٢٤٢» بإسناد رجاله ثقات، ولولا أن فيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي واختلاطه لصححت إسناده، فسكوت الشيخ عبد الله الغماري عنه في رسالته «الرأي القويم»«ص ٣٠» ليس بجيد، لاسيما وقد جزم بنسبته إلى سلمان في رسالته الأخرى «الصبح السافر»«ص ٤٢» هذا ولقد شذ في هذه المسألة ابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم، واحتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث كثيرة صحيحة. وليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة المفهوم، وبعضها بدلالة المنطوق. ولا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض المتمذهبة. وليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، وإلا لم يخالفها إن شاء الله تعالى، وأما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها ولكنه لم يرها حجة لدلالتها بطريق المفهوم، وليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، ومذهبهم هو الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليها فكان عليه أن يذكرها مع جوابه عنها، ليكون القارئ على بينة من الأمر. وإن من غرائبه أنه استشهد لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - وهو في «مصنفه»«٢/ ٥١٩» - من طريق داود بن أبي عاصم قال:«سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتان. قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن شئت أو دع».
قلت: وسنده صحيح، وقال عقبه:«وهذا بيان جلي بأمر ابن عمر المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط».