قلت: وهذا فهم عجيب، واضطراب في الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. وغاية ما فيه أن ابن أبي عاصم بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن الصلاة وهم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا؟ فأجابه بالإيجاب، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه الرواية، وهو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في «باب الصلاة في السفر» في جملة أحاديث وآثار في القصر، وكذلك أورده ابن أبي شيبة في باب «من كان يقصر الصلاة» من «مصنفه»«٢/ ٤٥١». وداود بن أبي عاصم هذا طائفي مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، والمسافة بينها وبين منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، وكأنه يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر في منى هو ومن كان معه من المكيين الحجاج. والله أعلم.
وإن مما يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في مكة ومنى لنفسه قصر، وإذا صلى وراء الإمام صلى أربعا. فلو كان سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم، لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من الإتمام في هذه الحالة، ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله، ويؤيد هذا أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره، فروى عبد الرزاق «٢/ ٥٤٢ / ٤٣٨١» بسند صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين وأنا مسافر؟ قال: صل بصلاتهم. أورده في «باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين».
وذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه، إلا أن بعضهم فصل، فقال في المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا، وإن أدركهم جلوسا صلى ركعتين. ولم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما هو قول ابن حزم! وأما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم قال:«كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر صلى إليها أخرى، وإذا أدرك ركعتين اجتزأهما»، وقال ابن حزم: «تميم بن حذلم من