للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«صحيحه» نحوه وفيه قوله: «انطلقت أسعى ... » وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من الساعي ... » ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ. «جئت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكع، وقد حفزني النفس فركعت دون الصف .. » الحديث.

وإسناده صحيح، فإن قوله «حفزني النفس» معناه اشتد، من الحفز وهو الحث والإعجال، وذلك كناية عن العدو. الثالث: ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه. وإذا تبين لنا ما سبق، فهل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تعد» نهي عن هذه الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها. ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام عليه فأقول: أما الأمر الأول، فالظاهر أنه لا يدخل في النهي، لأنه لو كان نهاه عنه لأمره بإعادة الصلاة لكونها خداجا ناقصة الركعة، فإذ لم يأمره بذلك دل على صحتها، وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدراك ركوعها، وقول الصنعاني في «سبل السلام» «٢/ ٢٣»: «لعله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره لأنه كان جاهلا للحكم، والجهل عذر». فبعيد جدا، إذ قد ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أمره - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات مع أنه كان جاهلا أيضا فكيف يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته وإنما الاطمئنان فيها، ولا يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة وقد فوت على نفسه ركعة، لو كانت لا تدرك بالركوع، ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهيا وقد فعله كبار الصحابة، كما تقدم في الحديث الذي قبله، فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا تعد». وأما الأمر الثاني، فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الروايات ولأنه لا معارض له، بل هناك ما يشهد له، وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: «إذا أتيم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار» الحديث متفق عليه. وأما الأمر الثالث، فهو موضع نظر وتأمل، وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه: «أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، مع قوله له: «لا تعد»، يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر، وإن كان ليس نصا في ذلك لاحتمال أنه يعني شيئا آخر غير هذا مما فعل، وليس يعني نهيه عن كل ما فعل، بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره.

فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>