رضي الله عنه موافق لما نقله أرباب النقل الصحيح وإن عثمان لم يزد على ما كان قبله إلا الأذان على الزوراء فصار إذن نقل هشام الأذان المشروع في المنارة إلى ما بين يديه بدعة في ذلك المشروع». وينبغي أن يعلم: أنه لم ينقل البتة أن الأذان النبوي كان بين يدي المنبر قريبا منه، قال العلامة الكشميري (١): ولم أجد على كون هذا الأذان داخل المسجد دليلا عند المذاهب الأربعة إلا ما قال صاحب الهداية «إنه جرى به التوارث ثم نقله الآخرون أيضا ففهمت منه أنهم ليس عندهم دليل غير ما قاله صاحب «الهداية» ولذا يلجؤون إلى التوارث» قلت: وليس يخفى على البصير أنه لا قيمة لمثل هذا التوارث لأمرين:
الأول: أنه مخالف لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده.
والآخر: أن ابتداءه من عهد هشام لا من عهد الصحابة كما عرفت وقد قال ابن عابدين في الحاشية «١/ ٧٦٩»: «ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص لأن التعارف إنما يصلح دليلا على الحل إذا كان عاما من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به». فتبين مما سلف أن جعل الأذان العثماني على الباب والأذان المحمدي في المسجد بدعة لا يجوز اتباعها فيجب إزالتها من مسجد الجامعة إحياء لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. هل كانت المنارة في زمنه - صلى الله عليه وسلم -؟ هذا وقد مضى في كلام الشاطبي ومن نقل عنهم:«أن الأذان النبوي كان يوم الجمعة على المنارة». وقد صرح بذلك ابن الحاج أيضا في «المدخل» فقال ما مختصره: «إن السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنارة كذلك كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان ثم زاد عثمان أذانا آخر بالزوراء لما كثر الناس وأبقى الأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنارة والخطيب على المنبر إذ ذاك». ثم ذكر قصة نقل هشام للأذان نحو ما تقدم نقله عن الشاطبي.
قلت: ولم أقف على ما يدل صراحة أن الأذان النبوي يوم الجمعة كان على
(١) في فيض الباري ٢/ ٣٣٥ وهو من كبار فقهاء الحنفية المشتغلين بالحديث في الهند وهو يتبع الحديث ولو خالف المذهب في بعض الأحيان توفي سنة ١٣٥٢ هـ رحمه الله تعالى. [منه].