للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنارة إلا ما تقدم في الحديث أنه كان على باب المسجد فإن ظاهره أنه على سطحه عند الباب ويؤيد هذا أن من المعروف أنه لبلال - وهو الذي كان يؤذن يوم الجمعة - شيء يرقى عليه المؤذن «صحيح» ففي «صحيح البخاري» «٤/ ١١٠» عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها: إن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر».

قال القاسم: «ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى هذا وينزل ذا».

فلعله كان هناك عند الباب على السطح شيء مرتفع يشبه بالمنارة وقد يشهد لهذا ما أخرجه ابن سعد في «الطبقات» «٨/ ٣٠٧» بإسناده عن أم زيد بن ثابت قالت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره. لكن إسناده ضعيف. وقد رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن دون قوله: «وقد رفع له شيء فوق ظهره» والله أعلم. والذي تلخص عندي في هذا الموضوع أنه لم يثبت أن المنارة في المسجد كانت معروفة في عهده - صلى الله عليه وسلم - (١)

ولكن من المقطوع به أن الأذان كان حينذاك في مكان مرتفع على المسجد يرقى إليه كما تقدم، ومن المحتمل أن الرقي المذكور إنما هو إلى ظهر المسجد فقط (٢) ومن المحتمل أنه إلى شيء كان فوق ظهره كما في حديث أم زيد، وسواء كان الواقع هذا أو ذاك فالذي نجزم به أن المنارة المعروفة اليوم ليست من السنة في شيء غير أن المعنى المقصود منها - وهو التبليغ - أمر مشروع بلا ريب فإذا كان التبليغ لا يحصل إلا بها فهي حينئذ مشروعة لما تقرر في علم الأصول: أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب


(١) ولا ينافي هذا قول عبد الله بن شقيق التابعي:
"من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكان عبد الله يفعله".

أخرجه ابن أبي شيبة ١/ ٨٦/١ بسند صحيح عنه وذلك لما تقرر في علم الأصول أن قول التابعي: من السنة كذا ليس في حكم المرفوع بخلاف ما إذا قال ذلك صحابي فإنه في حكم المرفوع. [منه].
(٢) كما في حديث عروة بن الزبير قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن يؤذن يوم الفتح فوق الكعبة أخرجه ابن أبي شيبة ١/ ٨٦/١ بسند صحيح عنه إلا أنه مرسل. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>