مما يؤكد أن هذا العموم هو على إطلاقه وشموله فلا يجوز لمؤمن يشهد لله عز وجل بالوحدانية ولنبيه بالرسالة أن يعارض هذه الكلية فيقول: ليس كل بدعة ضلالة، وليس كل ضلالة في النار، أولاً: لأن مثل هذه العبارة العامة لا بد لها من تخصيص وليس لها تخصيص، وثانياً: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا آنفاً كان يكررها في كل جمعة فلا يعقل أبداً أن يكرر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الكلية على مسامع أصحابه ثم لا يتبع بها يوماً تخصيصاً ما، هذا قرينة ما بعدها قرينة على بقاء هذه القاعدة على كليتها وشمولها وعمومها، وبخاصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كررها في بعض كتبه الأخرى كما روى أصحاب السنن أن خطبة الحاجة هذه التي ذكرناها فهي من حديث جابر رضي الله عنه وفي صحيح مسلم إلا أن زيادة:«وكل ضلالة في النار» هي من رواية الإمام النسائي في سننه الصغرى وإسنادها صحيح والحمد لله.
ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كرر هذه الكلية في غير ما مناسبة أخرى منها ما أخرجه أصحاب السنن وفي مقدمتهم أبو داود والترمذي وصححه من حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال:«وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: أوصنا يا رسول الله، قال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».
فها أنتم ترون وتسمعون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كرر هذه القاعدة الكلية في قصة أخرى وموعظة ألقاها على أصحابه - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء في رواية أن العرباض قال:«قلنا: يا رسول الله كأنها وصية مودع فأوصنا وصيةً لا نحتاج إلى أحد بعدك أبداً، فقال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله» إلى أن قال: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».
إذا كان الأمر كذلك وأن الأمر في كل بدعة إنما هي ضلالة مهما كان أمرها ويظن بعض الناس الحسن فيها فذلك خطأ واضح من خالف في ذلك التحسين