الخير، وهذا لسان المبتدعة جميعهم ما يريدون إلا الخير ولكن شأنهم كما ستسمعون من كلام ابن مسعود الذي هو في منتهى الحكمة:
قال: وكم من مريد للخير لا يصيبه، كما قال الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
وكم من مريد للخير لا يصيبه، إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حدثنا:«إن أقواماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم» أي: لا يصل إلى قلوبهم «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
قال راوي هذه القصة وهنا منتهى العبرة: فلقد رأينا أولئك الأقوام، أي: أصحاب حلقات الذكر، يقاتلوننا يوم النهروان، أي: أصبحوا من الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن بقية الصحابة.
فاستنبطت من هنا فائدة قياساً على قول العلماء: الصغائر بريد الكبائر، استنبطت من هذه القصة نحو قولهم فقلت: صغائر البدع بريد الكبائر من البدع، ولذلك فالعبرة من هذه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة وفي هذه القصة .. أو من هذه القصة بصورة خاصة هو أن لا يحتقرن المسلم بدعة ما يقول: ما فيها؟ هكذا يقول المبتدعة حينما نناقشهم ونقول لهم: اتقوا الله ولا تحدثوا في دين الله ما لم يكن ونذكر لهم بعض الأحاديث، فيقولون مثلاً: ما فيها؟ يستصغرون البدع .. ينظرون إليها بعقولهم .. يستحسنوها فلا يشعرون أبداً أنهم يقعون في [شعبة] من الاعتزال؛ ذلك لأن المعتزلة مما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة حقاً هو قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين، هذا [ينسبه] العلماء [إلى] المعتزلة، ويعنون بهذه الجملة، أي: إن المعتزلة يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، يعنون: أن المعتزلة يقولون: ما حكم العقل بحسنه فهو حسن، وما حكم العقل بقبحه فهو قبيح، أما أهل السنة كلهم دون اختلاف بينهم فيقولون: الحسن ما حسنه الشارع الحكيم والقبيح ما قبحه الشارع الحكيم، فلا مجال لإدخال العقل في [الشرع].