أصلاً في شيء من أحاديث الرسول عليه السلام وإن كان ظن ذلك بعض الرواة كما جاء ذلك في صحيح البخاري أنه قيل لأبي الشعثاء أنا أرى أنه أخر الأولى إلى الأخرى فقال: وأنا أظن ذلك .. هذا ظني لا يسمن ولا يغني من جوع، ولكننا إذا درسنا حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم كما سبق بهذه الدقة والملاحظة عرفنا حينذاك أن الجمع الذي جمعه الرسول عليه السلام أراد ألا يحرج أمته بهذا التسهيل وبهذا الشرع الذي جاء به من رب العالمين ليرفع الحرج عن بعض الناس سواء كانوا جماعة في مسجد، أو كانوا فرادى كل في عمله أو في داره أو ما شابه ذلك إذا وجد حرجاً حينذاك وجود الحرج ينفي الفرضية التي نعهدها من المحافظة على الصلاة التي جاء الأمر بها لقوله تبارك وتعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: ١٠٣].
فكما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين بقوله وبفعله أن هذا التوقيت الذي أشار إليه رب العالمين هي خمس صلوات كل صلاة تصلى في وقتها، كذلك أضاف إلى ذلك بياناً ثانياً فأباح الجمع في السفر سواء كان جمع تقديم أو تأخير ثم أخيراً بين للناس أنه يجوز للمقيم أن يجمع بين الصلاتين جمعاً حقيقاً وليس ترخصاً، وهذا هو الفرق بين الجمع في حالة الإقامة وبين الجمع في حالة السفر لا يتوهمن أحد أنه يجوز للمقيم على هواه .. على كيفه وعلى رأيه سواء كان هناك في المحافظة على التوقيت المشروع أصله حرج أو لم يكن في المحافظة حرج، ليس الأمر كذلك بل حديث ابن عباس يفيدنا فائدتين سبق ذكرهما آنفاً وهي أن الجمع كان حقيقياً.
والفائدة الأخرى وهذه التي أردت أن أختم الحديث الذي بدأته قبل صلاة المغرب بالتنبيه عليها؛ لأنني أعرف من تجربتي الخاصة أن كثيراً ممن يتبعون السنة ويتعصبون للحديث دون تعصب للأئمة وهذا واجب على كل مسلم يعرف السنة، أعرف من هؤلاء من يذهب إلى أن الجمع في حالة الإقامة حكمه كالجمع في حالة السفر.
الجواب: لا؛ لأن الجمع في حالة السفر رخصة لا يلاحظ فيها رفع الحرج،