فإذاً: الجمع الثابت في السنة إما جمعاً مطلقاً وإما جمعاً مقيداً، وهذا قسمان: جمع تأخير وجمع تقديم، فكلما جاءنا حديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب علينا أن نحمله على الجمع المعروف الثابت في الأذان، وعند أهل العلم بطبيعة الحال وإذ لم يكن هناك إلا الجمع الحقيقة على الوجهين المذكورين آنفاً تقديماً وتأخيراً فحينما يأتينا حديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع وليس فيه بيان نوعية هذا الجمع كحديث ابن عباس الذي ذكرته آنفاً وجب حينذاك على كل فقيه أن يفسر هذا الجمع بالتفسير المعروف في السنة وليس في التفسير القائم في بعض الأذهان والذي لا حقيقة له في الواقع ألا وهو الجمع الصوري.
وكان قد انتهى حديثي حينما أذن لصلاة المغرب أنني لما رويت حديث ابن عباس هذا قلت: إن هذا الحديث يصرح فيه راويه بالسبب الذي جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة مقيماً غير مسافر حيث سئل ابن عباس كما سمعتم عن سبب الجمع؛ لأن المعهود أن الجمع إنما هو في السفر، فما بال الرسول عليه السلام جمع وهو مقيم في المدينة، كان جوابه: يبطل الجمع الصوري إبطالاً لا جواب عليه حيث قال: أراد ألا يحرج أمته.
فقوله هذا فيه تصريح أن الجمع لم يكن جمعاً صورياً وأن الحقيقة لو أراد الإنسان أن يجمع بين الصلاتين صلاة الظهر مع العصر .. المغرب مع العشاء إذا تربص وترقب نهاية الوقت الأول وقت الظهر فيصلي الظهر وما يكاد ينتهي من هذه الصلاة إلا يكون دخل وقت العصر هذا ليس فيه رفع للحرج بل فيه تأكيد الحرج بينما المقصود من الجمع وبخاصة إذا كان في السفر فهو تيسير على الناس؛ لأنهم يحتاجون كثيراً إلى أن يضموا صلاة إلى أخرى، فلما كان الحديث هذا يصرح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جمع لرفع الحرج فهذا التعبير إنما يؤكد أن الجمع كان جمعاً حقيقياً بين صلاتين في وقت إحداهما، فلا وجه لحمل هذا الحديث كما فعل بعض المتأخرين من العلماء المحققين أنه حمله على الجمع الصوري فهذا الجمع الصوري لا نجد له