للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك كان من فضل الله عز وجل أن سخر علماء الحديث ليرحلوا إلى مختلف البلاد ليجتمعوا بمن يعلمون أنه عنده ولو حديث واحد، ليسمعوه مباشرة منه، حتى لقد كان في هؤلاء بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، أحدهم اسمه عقبة بن عامر بلغه أن جابراً بن عبد الله الأنصاري المشهور عنده حديث وكان في مصر، فسافر من بلده أظنه يومئذ كان في المدينة إلى مصر، لماذا؟ ليسمع ذاك الحديث الذي قيل لهم إنه سمعه جابر من الرسول عليه الصلاة والسلام.

فخرج إليه جابر وتلقاه، واحتضن أحدهما الآخر، قال: أنا ما أريد منك شيء، إلا أنه بلغني أنك سمعت حديثاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام ونَصُّ الحديث فيما أذكر منه الآن «أن الله عز وجل ينادي يوم القيامة بِصَوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بَعُد»، وهذا الحديث من الأحاديث التي يتمسك بها أهل السنة حقاً وأعني بهم أهل الحديث الذين لا يتعصبون لمذهب في العقيدة كالماتريدية أو الأشعرية أو المعتزلة أو الجبرية، كما أنهم لا يتعصبون لمذهب في الأحكام الشرعية، المذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي فضلاً عن مذاهب أخرى تبتعد كل البعد عن المذاهب الأولى أهل الحديث لا يتعصبون إلا للحديث، ولذلك نُسِبوا إليه وانتموا إليه، كما قال قائلهم:

أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا

وهذا جواب هذا الجاهل الذي قال: أنت أدركت الرسول، ما أدركوا الرسول، لكن الذين يشتغلون بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام كأنما هم يعيشون معه.

أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا

ولذلك أصبح معروفاً عند العلماء كافة لا نُحاشي ولا نستثني فقهاء ومفسرين كلهم قالوا: مما دل عليه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام القائل: «نَضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورُبَّ مُبلغ أوعى له من سامع».

يقول العلماء كافة: ولذلك نرى النُّضْرة في أهل الحديث؛ لأنهم يشتغلون بكلام

<<  <  ج: ص:  >  >>