للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علماء الحديث الذين سخرهم الله تبارك وتعالى لخدمة هذا الإسلام بعنايتهم أولاً بجمع أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام على مر القرون الأولى على الأقل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية، جمعوا أحاديث الرسول من مختلف البلاد والصدور؛ لأن حَمَلَة هذه الأحاديث النبوية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لم يكونوا مستقرين في بلدة واحدة حتى يتمكن العالم الحريص على جمع العلم أن يتلقى السنة من ذاك المكان الواحد، وإنما تفرقوا في البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فكان أحدهم يتفرغ للسياحة في البلاد؛ لتلقي العلم من مختلف العلماء في كل تلك البلاد.

هذا تسخير من الله تبارك وتعالى لهؤلاء العلماء حتى جمعوا لنا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام التي تفرقت في البلاد بتفرق حملتها.

فأنتم تتصورون معي بسهولة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قضى في مكة عشر سنوات، وبقية الدعوة ثلاثة عشر سنة في المدينة المنورة، في المدينة كانوا يأتون إلى الرسول في مكة وفي المدينة هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وهم حملة الأحاديث التي سمعوها، وتفقهون معي جيداً أيضاً بأن هؤلاء الصحابة في قلب حياته عليه الصلاة والسلام فضلاً عما بعد وفاته تفرقوا في البلاد، فقد كان يأتيه المكي إلى المدينة ليبايعه على الإسلام، من جدة من نجران من .. من مختلف البلاد ثم يعود إلى بلده وقد حمل منه عليه الصلاة والسلام بعض العلم، كما جاء في صحيح البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه جاء مع بعض أصحابه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فمكث عنده نحو عشرين يوماً فيما أذكر، قال: ثم اشتقنا إلى أهالينا فاستأذنا الرسول عليه الصلاة والسلام في أن ننصرف فقال لهما: «إذا صليتما فليؤذن أحدكما وليؤمُّكما أكبركما سناً»، وقال لمالك «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فانطلق إلى قبيلته، فإذاً هذا الرجل من الذي يتمكن من رواية مثل هذا الحديث وذاك، هو الذي يذهب إليه، فإذاً ينبغي أن يذهب إلى هذه القبيلة ومن هذه القبيلة إلى هذه البلدة إلى هذه القرية وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>