أراد أن لا يحرج أمته، فهذا نص صحيح الرواية وصريح الدلالة .. صحيح الرواية مروي في صحيح مسلم وبالسند الصحيح .. صريح الدلالة؛ لأنه لرفع الحرج، فتأويل مثل هذا النص بالجمع الصوري هو الحرج، هذا يشبه تماماً قول بعض العلماء بأنه يشترط لجواز المسح على الجوربين أن يكونا بثخانة كذا .. ويكون يستطاع قطع مسافة بهما .. طول المسافة كذا وكذا، ويشترط ألا يكونا مخرقين وو إلى آخره.
حينما توضع هذه الشروط وهذه القيود في رخصة جاء بها إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انقلبت الرخصة إلى عزيمة وإلى إيقاع الأمة في الحرج:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] فإذا كان حديث ابن عباس هذا أولاً يصرح أن الجمع كان في المدينة بدون عذرين معروفين أحدهما عذر السفر والآخر عذر المطر، وحينئذٍ عندنا سنتان تتعلقان في وضع يشبه وضعنا الآن الفصلي - نصف فصل الشتاء - إذا كان المسلم في بيته وأذن المؤذن مثلاً لصلاة الظهر فيقول في أذانه إن شاء كما هو السنة المطردة: حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. ثم يلحق بهاتين الحيعلتين: الصلاة في الرحال .. الصلاة في الرحال، أو يقيم هذه الجملة بدل الحيعلتين، لا يقول في الأذان: حي على الصلاة حي على الصلاة كما هو العادة والسنة وإنما يقيم مقامهما الصلاة في الرحال الصلاة في الرحال، حينئذٍ من كان في رحله والأمطار تتنازل فلا يجب عليه الحضور إلى المسجد، أي: إن المطر شرعاً سبب لإسقاط فرض من الفرائض ألا وهي صلاة الجماعة، هذه السنة الأولى.
السنة الأخرى: إذا كان المصلون في المسجد والأمطار تتهاطل من حواليهم فهنا لا يتصور أن يكون جمع تأخير أولاً ولو جمع حقيقة كما فصلنا آنفاً بل ولا يتصور أن يكون جمعاً صورياً؛ لأننا ما الذي نتصوره أن يقال لهؤلاء الذين هطل المطر وهم يصلون الظهر، هل يقال لهم انتظروا في المسجد إلى قبيل صلاة العصر، هذا غير معقول! ولذلك فالذي جرى عليه العمل هو أن الجمع من أجل المطر لا يتصور أبداً إلا أن يكون جمع تقديم، وهذا من أدلة أهل الحديث على الذين يقولون بالجمع الصوري؛ لأن هذا جمع التقديم لا يقبل الجمع الصوري.