ومن الثابت في السنة في غير ما حديث صحيح أن اختلاف نية المأموم عن نية الإمام لا يضر خلافاً لبعض المذاهب الذين يقولون مثلاً: لا يجوز اقتداء المُفْتَرِض بالمُتَنَفِّل، فإذا كان الأمر كذلك فكون هذا المسافر ينوي صلاة المغرب وراء ذلك المقيم الذي ينوي يصلي صلاة العشاء هذا لا يضره، واختلاف عدد الركعات بين هاتين الصلاتين الخطب أيضاً في ذلك سهل؛ لأن لهذا المقتدي الناوي لصلاة المغرب أن ينوي المفارقة حينما ينهض الإمام الذي يصلي العشاء إلى الركعة الرابعة.
وبعضهم يقول: يظل هو في تشهده إلى أن ينزل الإمام في تشهده فيشتركان، ويسلم هذا المقتدي معه، ولا نجد لهذا دليلاً لما فيه من المخالفة أما نية المفارقة فهي ثابتة في غير ما حديث من أشهر هذه الأحاديث: قصة ذلك الأنصاري الذي دخل مسجد معاذ ليصلي صلاة العشاء، فلما افتتح سورة البقرة نوى المفارقة، ولما علم بذلك معاذ رضي الله عنه أخذ يشتمه وينال منه ويقول فيه: إنه منافق، فشكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله، إنا أصحاب نواضح نعمل في النهار، ثم نأتي فنصلي خلف معاذ فيطيل بنا الصلاة، فقال عليه السلام لمعاذ -كما تعلمون -: «أَفَتَّان أنت يا معاذ، أَفَتَّان أنت يا معاذ، أَفَتَّان أنت يا معاذ بحسبك أن تقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوها من السور، إذا أَمَّ أحدكم فليخفف فإن وراءه الكبير، والمريض وذا الحاجة».
الشاهد من هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخذ ذلك الأنصاري حينما نوى مفارقة الإمام وليس له عذر سوى التعب، فهنا هذا المسافر إذا نوى مفارقة الإمام ليتم صلاته حسب النهج المفروض على المسلمين جميعاً، وهو المغرب ثلاث ركعات، فلا شيء في ذلك أبداً، ولا يكلف بغير ذلك.
ومن الأدلة على ذلك: وهو من السنن التي لا يكثر ذكرها فقد لا يستحضرها بعض الطلبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى صلاة الخوف بأصحابه كان يصلي بهم على صور شتى من هذه الصور أنه كان يصلي بنفسه ركعتين، ولكل من الطائفتين ركعة ركعة، فكانت طائفة تقف تجاه العدو والطائفة الأخرى تأتي وتقتدي وراء النبي