قال بجوازه واستحبابه فهو ضال مبتدع، كلا فإنه وهم باطل وجهل بالغ، لأن البدعة التي يذم صاحبها وتحمل عليه الأحاديث الزاجرة عن البدعة إنما هي «طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه» فمن ابتدع بدعة يقصد بها المبالغة في التعبد وهو يعلم أنها ليست من الشرع فهو الذي تنصب عليه تلك الأحاديث، وأما من وقع فيها دون أن يعلم بها ولم يقصد بها المبالغة في التعبد فلا تشمله تلك الأحاديث مطلقا ولا تعنيه البتة، وإنما تعني أولئك المبتدعة الذي يقفون في طريق انتشار السنة ويستحسنون كل بدعة بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير، بل ولا تقليدا لأهل العلم والذكر، بل اتباعا للهوى وإرضاء للعوام، وحاشا أن يكون من هؤلاء أحد من العلماء المعروفين بعلمهم وصدقهم وصلاحهم وإخلاصهم ولا سيما الأئمة الأربعة المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين، فإننا نقطع بتنزههم أن يستحسنوا بدعة مبالغة منهم في التعبد، كيف وهم قد نهوا عن ذلك كما سنذكر نصوصهم في ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى.
نعم قد يقع أحدهم فيما هو خطأ شرعا ولكنه لا يؤاخذ على ذلك بل هو مغفور له ومأجور عليه كما سبق مرارا، وقد يتبين للباحث أن هذا الخطأ من نوع البدعة فلا يختلف الحكم في كونه مغفورًا له ومأجورا عليه لأنه وقع عن اجتهاد منه، ولا يشك عالم أنه لا فرق من حيث كونه خطأ بين وقوع العالم في البدعة ظنا منه أنها سنة وبين وقوعه في المحرم وهو يظن أنه حلال، فهذا كله خطأ ومغفور كما علمت، ولهذا نرى العلماء مع اختلافهم الشديد في بعض المسائل لا يضلل بعضهم بعضا ولا يبدع بعضهم بعضا.
ولنضرب على ذلك مثالا واحدا لقد اختلفوا منذ عهد الصحابة في إتمام الفريضة في السفر فمنهم من أجازه ومنهم من منعه ورآه بدعة مخالفة للسنة ومع ذلك فلم يبدعوا مخالفيهم فهذا ابن عمر رضي الله عنهـ يقول:«صلاة المسافر ركعتان من خالف السنة كفر». رواه السراج في مسنده بإسنادين صحيحين عنه.