يستفاد منه جواز الاقتداء به في ذلك مع الجزم والقطع بأن الاقتداء بفعله - صلى الله عليه وسلم - أفضل. وهذا مما ينبغي أن لا يرتاب فيه عاقل.
وهذا كله يقال لو فرضنا أن عمر زاد على العدد المسنون بحجة أن الزيادة لا مانع منها مطلقا - كما يزعم البعض وسبق الرد عليه - أما وعمر لم يأت بها من هذا الباب بل بعلة التخفيف على الناس من طول القيام الذي كان - صلى الله عليه وسلم - يقوم بالناس في صلاة التراويح كما وقف عليه القارئ الكريم في الأحاديث التي أوردناها في الفصل الأول - فقد ذكر غير واحد من العلماء أن مضاعفة العدد كانت عوضا عن طول القيام، أقول فهذه المضاعفة مع تخفيف القراءة في القيام - لو فعلها عمر رضي الله عنه- لكان له ما قد يبرره في ذلك العصر لأنه مع ذلك كانوا لا يفرغون من صلاة التراويح في عهد عمر إلا مع الفجر كما سبق، وكانوا مع هذا التخفيف المزعوم يقرأ إمامهم في الركعة الواحدة ما بين العشرين والثلاثين آية، يضاف إلى ذلك أنهم كانوا يسوون بين الأركان من القيام والركوع والسجود وما بين ذلك فيطيلونها حتى تكون بعضها قريبا من بعض، ويكثرون فيها من التسبيح والتحميد والدعاء والذكر كما هو السنة في كل ذلك، وأما اليوم فليس هناك شيء من هذه القراءة الطويلة حتى تخفف ويعوض عنها بزيادة الركعات، فإن أكثر أئمة المساجد ليخففون القراءة في هذه الصلاة - كما هو مشاهد - إلى درجة أن لو قيل لهم خففوا القراءة لما وجدوا سبيلا إلى ذلك إلا أن يتركوا القراءة مطلقا بعد الفاتحة أو لاقتصروا - في أحسن الأحوال - على مثل آية {مُدْهَامَّتَان} وقد بلغني أن بعضهم فعل ذلك وهذه الفاتحة التي يقرؤونها فإنهم قد ذهبوا بطلاوتها وحلاوتها لشدة السرعة التي يقرؤونها بها، حتى أن الكثيرين منهم ليأتون عليها بنفس واحد خلافا للسنة التي تنص أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها آية آية، ولئن وجد في أولئك الأئمة من يطيل القراءة بعض الإطالة فإنهم قد اتفقوا جميعا على الإعراض عن تسوية الأركان والمقاربة بينها مع أن سنية ذلك ثابتة في أحاديث كثيرة منها حديث حذيفة بن اليمان المتقدم.
أقول: فهذا الواقع الذي عليه غالب المسلين اليوم - فيما أعلم - يجعل العلة التي من أجلها زيدت ركعات التراويح زائلة، وبزوالها يزول المعلول وهو عدد