غير أننا وجدنا عنه أخبارا أنه أوتر بثلاث لا ذكر للتسليم فيها.
ثم ساق بسنده الصحيح عن ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد» ثم قال: وفي الباب عن عمران بن حصين وعائشة وعبد الرحمن بن أبزى وأنس بن مالك قال: فهذه أخبار مبهمة يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سلم في الركعتين من هذه الثلاث التي روي أنه أوترها لأنه جائز أن يقال لمن صلى عشر ركعات يسلم بين كل ركعتين: فلان صلى عشر ركعات، والأخبار المفسرة التي لا تحتمل إلا معنى واحدا أولى أن تتبع ويُحتج بها، غير أنا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خَيَّر الموتر بين أن يوتر بخمس أو بثلاث أو بواحدة وروينا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن فالعمل بذلك جائز والاختيار ما بينا. ثم قال: فالأمر عندنا أن الوتر بواحدة وبثلاث وخمس وسبع وتسع كل ذلك جائز حسن على ما روينا من الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بعده، والذي نختار من وصفنا من قبل، فإن صلى رجل العشاء الآخرة ثم أراد أن يوتر بعدها بركعة واحدة لا يصلي قبلها شيئا فالذي نختاره له ونستحبه أن يقدم قبلها ركعتين أو أكثر ثم يوتر بواحدة فإن هو لم يفعل وأوتر بواحدة جاز ذلك، وقد روينا عن غير واحد من علية أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم فعلوا ذلك وقد كره ذلك مالك وغيره وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاتباع. ثم قال:«وقد روي في كراهة الوتر بثلاث أخبار بعضها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضها عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين منها» ثم ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس.» وسنده ضعيف، لكن رواه الطحاوي وغيره من طريق آخر بسند صحيح وهو بظاهره يعارض حديث أبي أيوب المخرج هناك بلفظ « ...
ومن شاء فليوتر بثلاث» والجمع بينهما بأن يحمل النهي عن صلاة الثلاث بتشهدين لأنه في هذه الصورة يشبه صلاة المغرب، وأما إذا لم يقعد إلا في آخرها فلا مشابهة، ذكر هذا المعنى الحافظ ابن حجر في «الفتح» واستحسنه الصنعاني في «سبل السلام» وأبعد عن التشبه في الوتر بصلاة المغرب الفصل بالسلام بين الشفع والوتر كما لا يخفى ولهذا قال ابن القيم في «الزاد» بعد أن ذكر حديث: «كان لا يسلم في