للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طنِّش، طنِّش يعني اعمل حالك ما سمعت، حتى يضجر الآمِر. فسوف يقول لكَ: يا أخي مالَك إنتَ؟ لماذا لا تسمع؟ لماذا لا تنفِّذ الأمر؟ بتقوله: يا أستاذ أنت تعلمنا منك أن الأمر لا يفيد الوجوب، فأنا لستُ مسؤولاً، وهكذا فعل فتخلص منه.

الحقيقة أن هذه معطّلة، إذا قيل بأن الأمر لا يفيد الوجوب فمتى يستطيع المأمور إذا قال السيد للخادم: روح جب ميّ، لا هو يركز في مكانه ولا يستجيب لأمره، لماذا؟ لأن الأمر لا يفيد الوجوب، حتى إيه؟ يكون فيه قرينه، من أين تأتي القرينة من مثل هذا المأمور أو ذاك؟ الأمر يفيد الوجوب، فلما جاءت الآية: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} فمعنى ذلك رفع الأمر السابق «ذروا البيع» اتركوا البيع، الآن جاء الأمر بالسعي وراء الرزق فرفع ذلك الحظر، فالأمر بالشيء بعد النهي عنه إنما يفيد الإباحة ولا يفيد الوجوب، إذ الأمر كذلك فالواعظ الذي يعظ الناس يوم الجمعة بعد الصلاة ليس مخالفًا لهذا الحديث؛ لأن الحديث لا يوجب الانصراف فورًا، كما يوجب الانصراف من الصلاة بالسلام: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» شتان ما بين هذا وذاك، هذا بالنسبة للواعظ يوم الجمعة.

أمّا بالنسبة للواعظ بعد أربع ركعات التراويح فيختلف الأمر عندي تمامًا، ومع أنّه لا أمر هنا يُفيد الإباحة كما هو الأمر في الآية السابقة، فأنا أرى أن صلاة القيام هو وضع خاص المقصود به ليس العلم والتعليم، وإنما المقصود به تزكية النفوس بالإقبالِ إلى الله -تبارك وتعالى- بالصلاة والقيام والركوع والسجود وذكر الله -عز وجل- بعد الصلاة فهذا [الجوء] لا يجوز إشغاله بشيء آخر، ولو كان هذا الشيء الآخر عبادة بل وهو أفضل من العبادة كما قال عليه الصلاة والسلام: «فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» أي نافلة العلم خير عند الله -عز وجل- من نافلة العبادة، وخير الدين الورع.

فطلب العلم والسير فيه أفضل من النافلة، ولكن قد يكون المفضولُ في بعض الأحيان خير من الفاضل في أحيان أخرى. مثلاً أنتم تعلمون قوله -عليه السلام- أو نهيه -عليه السلام- عن قراءة القرآن في الركوع وفي السجود، نحن نقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>