للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعلها ركعتين «صلاة العشاء» أما المغرب فكما تعلمون فركعاتها ثابتة، فمن باب أولى أن يُخَفِّف الله -عز وجل- عن المسلمين المسافرين من التطوع.

وقد ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: لو سَبَّحت لأتممت» لو سبحت -أي في السفر- لأتممت الفريضة.

فإذا كان الله -عز وجل- قد خَفَّف عن عباده من الفريضة، كما سمعتم ركعتين من الصلاة الرباعية، فكيف بنا ألَّا نخفف عن أنفسنا، فلا نُسَبِّح ولا نتطوع؛ لأن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - جَرَت على عدم التطوع في السفر.

ولا أعني هذا بصورة عامة، وإنما بَحْثُنا الآن بالنسبة للسنن الرواتب، وآكَدُها سنة الوتر، ثم سنة الفجر.

ولا شك ولا ريب عند كل فقيه بالسنة، أن وضع الحَاج أحَسّ وأدق من أيّ وضع مسافر ما.

فلا غرابة ولا عجب أن لا يتطوع النبي - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الوتر في تلك الليلة؛ تخفيفاً من الله -عز وجل- عن عباده، هذا هو الحكم الأول الذي يُمْكِننا أن نستنبطه، وأن نفهمه من عدم ذكر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين نقلوا لنا صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعامة، وما فعله في المزدلفة بخاصة.

أما الحكم الثاني: فهو أن صلاة الوتر ليس فريضة، وإنما هو كما قال عليٌّ -رضي الله تعالى عنه- حينما سُئِل عن صلاة الوتر: أهو واجب كوجوب الصلوات الخمس؟ قال: «لا، وإنما هو سنة سَنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» فترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - للوتر في تلك الليلة، إشعار قوي جداً بالفرق بين الوتر من حيث حكمه، وبين الفريضة.

فالفريضة لا تَسْقُط مطلقاً، أما الوتر فقد تركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة.

ففيه بيان للحكم الأول أولاً، ثم للحكم الآخر ثانياً، وهو أن الوتر سُنَّة وليس بفريضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>