وهناك أدلة أخرى تؤكد هذا الحكم الثاني، وهو سُنِّية الوتر، وليس أنه فرض أو واجب كما يقوله بعض الفقهاء المتقدمين، ومن يقلده من المتأخرين أن الوتر واجب.
فلا هو فرض كفريضة الصلوات الخمس، ولا هو سنة كالسنن الرواتب، العشر ركعات المعروفة في كل يوم وليلة، هكذا يقول بعض الفقهاء المتقدمين، ومن اتبعهم.
ولكن السُّنَّة أحق أن تُتَّبع، وبخاصة كما أشرت أخيراً، إلى أن هناك أدلةً أخرى على أن الوتر ليس من الفرائض.
وحسبكم حديث الأعرابي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عمّا فَرَض الله عليه في كل يوم وليلة.
فكان جوابه -عليه الصلاة والسلام- كما تعلمون:«خمس صلوات في كل يوم وليلة»، ولما سأل ذلك الأعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: هل عليّ غيرهن؟ قال:«لا إلا أن تطوع»، «إلا أن تطوع».
إذاً: ما سوى الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، وأرجوا أن تُمْعنوا النظر في قولي هذا: في كل يوم وليلة.
دل قوله -عليه السلام- له:«لا، إلا أن تطوع» أنه لا يجب في كل يوم وليلة إلا تلك الصلوات الخمس.
أرجو أن تتأملوا معي في هذا القيد، بما سيأتي بيانه توضيحاً ونصيحة للأمة.
فلما سمع ذلك الأعرابي أو ذاك الرجل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له:«لا، إلا أن تطوع»، قال: والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق».
وقبل أن أعود إلى ذلك القيد، لا بد لي من التنبيه لأمر عَزَّ التنبيه عليه في بطون كتب الحديث فضلاً عن غيرها، فضلاً عن تنبيه الكثير من أهل العلم على ذاك الأمر المهم، ألا وهو في هذه الرواية «أفلح الرجل إن صدق»، زيادة:«وأبيه»«أفلح الرجل وأبيه إن صدق، دخل الجنة وأبيه إن صدق».