مثلًا فهل ينافي القول بسنية الاستحباب؟ قلنا: لا، لم؟ لأنه ما كان سنة مؤكدة فهو أفضل مما كان مستحبًا، فهنا ثلاثة مراتب الآن في مسألتنا هذه: أن يقال باستحباب غسل الجمعة .. أن يقال بسنية غسل الجمعة .. أن يقال بوجوب غسل الجمعة، هذا فاضل وهذا أفضل، هذا الفاضل والأفضل يوم يدخل في الوجوب لأن ما كان واجبًا فهو أفضل مما كان سنة مؤكدة، ومن باب أولى فهو أفضل مما كان مستحبًا، هذا هو طريق الجمع أيضًا، نحن نقول: أنه يؤخذ دائمًا كما قلت أنت تمامًا: إذا لم يكن التوفيق، فإذا أمكن التوفيق فلا بأس حينئذ من الرجوع إلى القاعدة التي ذكرناها.
والحافظ ابن حجر رحمه الله له رسالة نافعة جدًا في علم المصطلح .. مصطلح الحديث وهي المعروفة بشرح النخبة، هناك يقول: إذا جاء حديثان من قسم المقبول - وهو يعني بالمقبول: ما كان حسنًا فصاعدًا - متعارضان .. إذا جاء حديثان مقبولان متعارضان فما العمل؟ قال: وفق بين الحديثين المتعارضين بوجه من وجوه التوفيق، هو يجيب بهذا الجواب المختصر جدًا؛ لأن رسالته قائمة على الاختصار، لكننا إذا رجعنا إلى المبسوطات من كتب المصطلح لوجدناهم يقولون: أن طرق التوفيق بين الأحاديث المتعارضة بلغت أكثر من مائة وجه.
فإذا لم يستطع الفقيه التوفيق بين الحديثين المتعارضين بوجه من هذه الوجوه الكثيرة التي أشار إليها إشارة عابرة الحافظ ابن حجر في كلامه السابق قال: إذا لم يمكن التوفيق اعتبر الناسخ من المنسوخ، أي: حول معرفة المتقدم من المتأخر ليقال: المتقدم منسوخ والمتأخر هو الناسخ، فإذا لم يتبين الباحث الناسخ من المنسوخ قال: صير إلى الترجيح، الترجيح من حيث الثبوت، بمعنى: أن الحديثين المتعارضين إذا كان أحدهما حسنًا والآخر صحيحًا ولم يمكن التوفيق بينهما ولا اعتبار الناسخ من المنسوخ من بينهما حينئذ رجح الصحيح على الحسن، وإذا كان الحديثان أحدهما صحيحًا فردًا غريبًا والآخر صحيحًا مستفيضًا أو مشهورًا ولم يمكن التوفيق رجح هذا على الحديث الصحيح الغريب، وهكذا إذا تعارض حديث مشهور أو مستفيض مع حديث متواتر ولم يمكن التوفيق بينهما أخذ