فيها المؤمنون ويحضرها الملائكة المقربون فيحرموا بذلك شهود الخير الكثير الذي فيه تضعيف الصلاة بسبع وعشرين درجة وأشد من ذلك أن يخرجوا منها - إذا دخلوا - قهرا وبالقوة كما كان يفعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يأتي وإن في ذلك لعبرة {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار}[الحشر: ٢].
قال في «الفتح»:
«فائدة»: حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما ثبت في مسلم».
قلت: ولعل التعبير بقوله: «فلا يقربن» لإفادة هذا المعنى بخلاف ما لو قال: فلا يدخلن فتأمل. ثم قال:
«تنبيه»: وقع في حديث حذيفة عند ابن خزيمة: «من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا». وبوب عليه بوقت النهي على إتيان الجماعة لأكل الثوم. وفيه نظر لاحتمال أن يكون قوله:«ثلاثا» يتعلق بالقول أي: قال ذلك ثلاثا بل هذا هو الظاهر لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة».
ثم إن النهي في الأحاديث المتقدمة للتحريم وقد ذهب إلى ذلك الظاهرية ومنهم ابن حزم وقد سبق نص كلامه في ذلك قريبا وهو الحق إن شاء الله تعالى وذلك لأمور:
أولا: أن الأصل في النهي التحريم فلا يجوز الخروج منه إلا لدليل أو قرينة ولا شيء من هذا هنا.
الثاني: أنه اقترن بنون التأكيد المشددة وذلك يؤكد النهي والتحريم.
الثالث: أنه مسقط لصلاة الجماعة وهي فرض في أصح الأقوال كما سيأتي بيانه في محله فتركها حرام فلو لم يكن دخول المسجد من المذكورين في الحديث أشد تحريما لما عاقبهم الشارع الحكيم بالمنع منه ولما أضاع عليهم التضعيف المذكور آنفا والله عز وجل يقول: {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ