وبالجملة فالذي لا شك فيه ويكاد يكون متفقا عليه بن العلماء: أن علة الإيذاء تقتضي المنع من دخول كل من يتعاطى شيئا ذا رائحة كريهة سواء كان مأكولا أو مشروبا أو غير ذلك بشرط أن يكون مختارا في ذلك غير مضطر كمداواة أو كصنعة كالجزارة ونحوها.
قلت: يكاد يكون متفقا لأنه قد خالف فيه ابن حزم رحمه الله حيث قال:
«ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتى تذهب الرائحة وفرض إخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا ولا أبخر ولا مجذوم ولا ذو عاهة».
ثم ساق حديث عمر الآتي وحديث جابر ثم قال:
«قال علي: لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.
قلت: وهذا منه جمود على اللفظ دون النظر في المعنى فإن التعليل في حديث جابر بالإيذاء يدل دلالة واضحة على المنع من كل ما رائحته تؤذي على التفصيل الذي ذكرنا آنفا ولذلك نقول جازمين:
إن أول تلك الملحقات بالثوم: النبات الخبيث المعروف ب «التتن» لأن نتن ريحه أشد إيذاء للمسلمين من الثوم وغيره مما نص عليه في الحديث كما يشهد بذلك كل من عافاه الله من هذه البلية التي لا يكاد ينجو منها إلا القليل بل يشهد بذلك المبتلون أنفسهم عافاهم الله منه ولن يعافيهم الله إلا إذا سلكوا سبيلها: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} تلك هي سنة الله في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وإنها لعقوبة شديدة أن يمنع هؤلاء وأمثالهم من دخول المساجد التي يجتمع