«نهى - صلى الله عليه وسلم - عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد «وفي لفظ: المقام الواحد وفي آخر: المكان الذي يصلي فيه» كما يوطن البعير». [صحيح لغيره].
قوله:«وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير» قال الخطابي في «المعالم» وتبعه ابن الأثير في «النهاية»:
«فيه وجهان: أحدهما: أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلا مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا لا يبرك إلا فيه. والوجه الآخر: أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود بروك البعير على المكان الذي أوطنه. وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومهل».
قلت: ولم يذكر ابن الأثير قوله: «وأن لا يهوي ... » إلخ. ولعل السبب في ذلك كونه مباينا لما قبله حيث قال:«أن يبرك على ركبتيه ... بروك البعير». وفي هذا يقول:«فيثني ركبتيه ... » إلخ. والظاهر أن الخطابي رحمه الله يرى أن الاعتبار ليس هو وضع الركبتين قبل اليدين بل ما يحصل من وضعهما كذلك من هدة على الارض كما يسمع ذلك من البعير فإذا وضعهما كذلك على سكون ومهل بدون صوت فقد خرج عن التشبه بالحيوان فلم يشملهما النهي على القول الثاني لكن هذا لا يمكن عادة أعني وضعهما قبل اليدين بدون هدة كما هو الشاهد ولذلك ثبت النهي عنه من قوله عليه الصلاة والسلام كما ثبت أن هديه خلاف ذلك وهو أن السنة في السجود قولا منه - صلى الله عليه وسلم - وفعلا وضع اليدين قبل الركبتين خروجا من التشبه بالبعير الذي يبرك على ركبتيه اللتين في يديه خلافا لمن زعم خلاف ذلك وقد بينته في «التعليقات الجياد على زاد المعاد» وسيأتي بيانه أيضا في المكان المناسب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
غير أن هذا الوجه الثاني بعيد جدا عن الحديث لا سيما بمجموع ألفاظه المذكورة أعلاه فهي تعين أن المراد منه الوجه الأول وبه جزم جمع من الشراح فمنهم من اقتصر عليه فلم يتعرض لذكر الوجه الثاني إشارة إلى أنه لا اعتداد به كالمناوي