هذا الحديث الأول وهو من حديث أبي هريرة واللفظ الصحيح قول أبي هريرة:«فقد عصا أبا القاسم» ثم ذكر أحاديث أخرى تؤيد هذا المعنى، وفيه شيء من الترهيب المناسب للباب، قال: وعنه - يعني: أبا هريرة - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يسمع النداء في مسجدي هذا، ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق» رواه الطبراني في الأوسط ورواته محتج به في الصحيح، وفي الكلام على هذا التخريج ليس هذا الآن محل ذكره وإنما الشاهد أن في هذا الحديث بيان أن الذي يخرج من المسجد بعد أن يسمع الأذان دون حاجة يضطر بسببها للخروج فهو منافق، ولو أنه خرج بحاجة ناوياً الرجوع إلى المسجد فينتفي عنه هذا الوصف وهو أنه منافق؛ لأنه إنما خرج من المسجد لحاجة ألحت عليه بالخروج، فما دام أنه خرج ينوي الرجوع وفعلاً رجع فلا يصح أن يقال فيه: إنه منافق.
كذلك الأحاديث الأخرى التي ساقها من بعد حديث أبي هريرة، قال: وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق» فهذا بمعنى الحديث الأول؛ ولذلك كان الحديث الأول يشهد لهذا الحديث وبهذا الاعتبار صحح.
ونحوه أيضاً حديث الأخير في الباب، وهو قوله عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق، إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع» الشاهد: بين هذا الحديث الذي جاء من عدة طرق وفيه: حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن خرج من المسجد في غير حاجة فهو منافق، وبين حديث أبي هريرة حيث قال:«فقد عصى أبا القاسم» ولا شك أن كل من أطلق عليه منافق فهو عاص، وليس كل من كان عاصياً يصح أن يطلق عليه أنه منافق، ولذلك فهناك فرق بين حديث أبي هريرة وبين روايته الثانية وهي من الروايات الأخرى التي جاءت عن غيره رضي الله عنه، فهي تلتقي كلها في أن من خرج من المسجد بعد الأذان لغير حاجة فهو منافق إلا أن يكون خرج لحاجة وهو ينوي الرجوع إلى المسجد.
ولا شك أن هذا الحكم الذي صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا الذي يخرج من