للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد بعد الأذان هو الذي تقتضيه عمومات الشريعة؛ لأنه قد ثبت في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: «كنا نشهد لمن يسمع النداء ولا يخرج إلى الصلاة أنه منافق» ولا فرق بين هذا الذي لم يأت المسجد لصلاة الجماعة فلا عذر له، وبين هذا الذي حضر المسجد ثم سمع النداء وخرج لا ينوي على شيء ما أخرجه أيضاً حاجة ولا هو ينوي الرجوع إلى المسجد لإدراك صلاة الجماعة، وقد عرفتم إن شاء الله أن حكمها بالفرضية، وأن فضيلتها بسبع وعشرين درجة، فالذي يخرج من المسجد معرضًا عن هذا الأجر وعن إطاعة الله ورسوله في تنفيذ مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣].

وحينئذٍ فيرد هنا عادةً سؤال: هل يجوز لأحد أن يخرج من المسجد بعد الأذان ليس له حاجة ملحة، كل ما في الأمر أنه يريد أن يصلي في مسجد آخر، فقد تحدثت آنفاً مع بعض الإخوان ونحن قادمون إلى هذا المكان: بأن الأصل أنه لا يجوز، ولكن أحياناً تأتي عارضة توجب شيئاً من الاستثناء في مثل هذا الحديث، وضربت على ذلك مثلاً: من خرج من مسجد بعد الأذان بغير حاجة لكن يريد أن يصلي في مسجد آخر، فهذا وحده فقط لا يعتبر عذراً، بخلاف ما لو كان حضر في مسجد لحضور درس أو علم يستفيده، وما كاد أن يسمع الأذان إلا خرج إلى مسجد الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد الذي حضر الدرس فيه، وضربت على ذلك مثلاً: الخروج من مسجد من المساجد العامة إلى المسجد النبوي، في ذاك المسجد من المساجد العامة حضر درساً استفاده، فلما أذن للصلاة خرج ليكسب فضيلة الصلاة في المسجد النبوي ففي هذه الحالة وما يشابهها ممكن أن يقال بجواز الخروج، ويكون ذلك من الحاجة التي أشار إليها الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقد أضاف إلى الحاجة: أنه ينوي الرجوع إليه، والمقصود بهذه النية أن لا يفوت عليه صلاة الجماعة، فإذا نوى الصلاة في مسجد هو أفضل من الصلاة في المسجد الذي حضر الدرس فيه، فما يشمله هذا الوعيد الشديد وهو وصفه بأنه منافق.

<<  <  ج: ص:  >  >>