فإذا عُدنا إلى أصل المسألة، وكن النسوة في المسجد متجلببات، على الأقل لا يظهر منهن إلا قرص الوجه والكفين، فوقع بصر أحد الحاضرين وهو داخل وهو خارج، أي شيء في هذا، الله قال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور: ٣٠]«من أبصارهم»{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور: ٣١] فلا حرج في هذا.
لكن الذي يُوصِل الناس إلى إحداث مثل هذه الوسائل تَوَهُّماً منهم أنها وسيلة مشروعة؛ لأنها تُحَقِّق هدفاً مشروعاً وهي ألاّ يرى الرجال النساء.
الذي يحمل على هذا هو أحد شيئين: إما الجهل بالسنة الصحيحة، وإما التقصير في تطبيق الشريعة، الجهل هذا موجود مع الأسف، حيث أن هناك علماء كثيرون أو كثيرين يرون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة وجهها وكفيها، كما أنهم يعكسون فهم منسجمون مع خطئهم، حيث يقولون: ولا للمرأة يجوز لها أن تنظر إلى وجه الرجل، وجه الرجل ليس بعورة، لا بالنسبة للمرأة ولا بالنسبة للرجل، مع ذلك قالوا: لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى وجه الرجل، فقلنا نحن: سبحان الله، كيف يمكن تَصَوُّر حياةً إسلامية اجتماعية من امرأة مثلاً تحضر المسجد، تحضر الدرس، تحضر خطبة الجمعة، كيف يكون هكذا مطرقة ببصرها لا يمكن أن تنظر إلى هذا الخطيب أو إلى هذا المُدَرِّس، ما يجوز لأن هذا النظر محرم، لا، الشرع ما قال هذا، هذا تَنَطُّع وتَشَدُّد في الدين.
ومثله تماماً: أن ينظر الرجل إلى وجه المرأة وإلى كفيها نظرةً بريئة عادية طبيعية، فعدم فهم المسألة هذه جيداً أولاً، وعدم فهم مسألة المصالح المرسلة جيداً، هو الذي أودى بكثير من القائمين على بناء المساجد أو الإشراف عليها، في وضع ستار من جدار يفصل النساء عن أن يَرَيْن الرجال أو الإمام وهو يصلي، وهذا قد يُوقع مفسدة في بعض الأحيان في صلاة النساء، إذا ما أخطأ الإمام، إذا أخطأ الإمام وهن لا يرين الإمام ماذا فعل، ما يسمعوا إلا سبحان الله من أبو شنب مثلما يقولوا في بعض البلاد، فيحتاروا يا ترى الإمام قام إلى الركعة الثالثة أم تشهد أم .. فيضطربن في الصلاة، وهذه وقع منها وشبيهها وقع معي في قصة فيها عبرة، وفيها أيضاً علم،