للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي كلامه الأخير إشارة إلى جواز قصد آثار الأنبياء للصلاة عندها، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء قديما، والذي يترجح عندنا المنع من قصدها لأنه لا دليل من الكتاب والسنة على جوازه ولأنه قد يؤدي إلى الغلو وهو منهي عنه ولنهي عمر رضي الله عنه فقد روى سعيد بن منصور في «سننه»: ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه قال:

خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل} [الفيل: ١] و {لإِيلافِ قُرَيْش} [قريش: ١] في الثانية فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه. فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض».

وهذا إسناد صحيح على شرط الستة.

فقد كره رضي الله عنه اتخاذ مصلى النبي عيدا وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل هذا. وهذا مذهب مالك وغيره من أهل المدينة فقد كانوا يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينة ما عدا قباء وأحدا.

وتفصيل القول في هذا المقام راجعه في «اقتضاء الصراط المستيقيم».

وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتفاقا، وأما الأماكن التي كان عليه الصلاة والسلام يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سنة اقتداء به عليه السلام. ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعا لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى.

[الثمر المستطاب (١/ ٤٦٢)].

<<  <  ج: ص:  >  >>