«أقول: وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف عليه في المسجد الآن ولا كذلك، فإن الإمام الشهير المعروف بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس قال: ومنه حديث أنس: كان يكره المحاريب. أي: لم يكن يحب أن يجلس في صدور المجالس ويرتفع على الناس. انتهى».
قلت: وفيه أن ابن الأثير لم ينص على ما ذكره المناوي فإن نص كلامه في النهاية:
«المحراب»: الموضع العالي المشرف وهو صدر المجلس أيضا، ومنه سمي محراب المسجد وهو صدره وأشرف موضع فيه ومنه حديث أنس ... » إلخ كلامه الذي نقله المناوي. فأنت ترى أنه لم يتعرض لذكر الحديث الذي نحن في صدده مطلقا فكيف يقول المناوي:
«قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس»؟
وإنما نص على أن هذا هو المراد بالمحاريب في حديث أنس الذي أورده هو نفسه - أعني: ابن الأثير - وليس يخفى أنه لا يلزم من ورود هذا اللفظ «المحاريب» في حديث أنس بمعنى صدور المجالس أن يكون هذا المعنى هو المراد من كل حديث ورد فيه هذا اللفظ ومنه هذا الحديث.
لكن الذي رجح عندي كون الحديثين بمعنى واحد: هو ورود اسم الإشارة في حديث الباب: «هذه المذابح - يعني المحاريب» مما يدل على أن المشارإليه - وهي المحاريب - كانت موجودة في عهده عليه الصلاة والسلام بينما محاريب المساجد بالمعنى المصطلح عليه لم تكن في عهده عليه الصلاة والسلام باعتراف السيوطي فكيف يسوغ حينئذ حمل الحديث عليها وفيه الإشارة إليها وهي غير موجودة؟ فتعين أن المراد من المحاريب في هذا الحديث صدور المجالس كما هو المراد في حديث أنس. والله أعلم.
هذا وقد روي ما يشير إلى أن المحاريب في المساجد لم تكن معروفة في عهده عليه الصلاة والسلام فقد روى الطبراني في «الأوسط» و «الكبير» عن جابر بن أسامة الجهني قال:
لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه بالسوق فقلت: أين يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟