«قال العلماء: إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في التعظيم والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - بنو على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ولهذا قالت في الحديث:
«ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا».
وفي ذكره الصحابة في هذه القصة نظر وإن تبعه على ذلك العيني في «العمدة» فإن ذلك لم يقع بحضور أي صحابي فقد قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»:
«وكان على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار، ثم إنه إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة، وكان من آخرهم موتا جابر بن عبد الله وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين والوليد تولى سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك. وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب «أخبار المدينة» - مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أشياخه وعمن حدثوا عنه: أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائبا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة وعمل سقفه بالساج وماء الذهب وهدم حجرات أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه».
ثم ذكر ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة كان قد مات عامة الصحابة ولم يبق إلا من أدرك