للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا لم يفعل ولم يكن له عذر شرعي، فصلاته تدور بين ألاَّ تُرفع مطلقاً أي: ألاَّ تكون مقبولة، وبين أن تكون مقبولة في أدنى درجات الثواب والأجر.

ولذلك: أكد النبِّي - صلى الله عليه وسلم - المعنى المُتَضَمَّن في هذا الحديث، الآمر كل من يسمع النداء أن يجيب بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: «لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم آمر رجلاً فيحطب حطباً، ثم أُخَالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتَهم، والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها».

في هذا الحديث وعيد شديد جداً لمن يتخلف عن الصلاة في مسجد المسلمين دون عذر شرعي، أنه يستحق أن يُحَرَّق بالنار في الدنيا قبل الآخرة؛ ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال كما سمعتم: «لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس» أي: نيابة عنه: ثم هو يفعل ما يأتي، قال: «ثم أُخَالف إلى أناس يَدَعُون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتهم»، أُخالف إلى أناس يَدَعُون الصلاة مع الجماعة أي: أُبَاغتهم وأفاجِئهم؛ لأن المفروض في هؤلاء المتخلفين أن يُجيبوا منادي الله كما قلنا، والمفروض أنهم يعلمون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يصلي في المسجد إماماً كما هي عادته، ولكنه هَمَّ عليه الصلاة والسلام أن يُوكِل رجلاً أن يصلي نيابةً عنه؛ ليباغت المُتَخَلِّفين عن الصلاة في المسجد، فيُحَرِّق عليهم بيوتهم.

ثم قال عليه الصلاة والسلام مُبَيِّناً البلاء الذي يصيب الكثير من الناس، وبخاصة في هذا آخر الزمان كزماننا هذا، أنهم يتخلفون عن الجماعة لأمر دنيوي مهما كان حقيراً، فقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفس محمد بيده لو يعلم أنه يجد في المسجد مرماتين حسنتين»، يعني: عظمتين من أسفل قدم الشاة أو المعزاية، تُرْمى عادةً في الأرض لا قيمة لها، لو يعلم أنه يجد في المسجد فائدة دنيوية كهاتين المرماتين لشهدها أي صلاة العشاء، إلى هنا ينتهي هذا الحديث، وهو من أصح الأحاديث حيث أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما.

وهنا سؤال قد يَرِد في خاطر بعض الناس عادةً، ألا وهو: لماذا هَمَّ عليه الصلاة والسلام بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة ولم يفعل؟ قال: «لقد هممت»، لكنه ما

<<  <  ج: ص:  >  >>