الحديث؛ حديث الغربة فيه روايتان، نحن الآن في صدد الرواية الأولى:«الغرباء: هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يُطيعهم»، الحديث الثاني سَيُجَلِّي لنا معنى ثانٍ في الحديث الأول لا يتنبه له كثير من الناس، لما قيل له عليه السلام:«من هم الغرباء؟ قال: هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سُنَّتي من بعدي».
إذاً: هنا غربتان: غربة الصالحين بين الجمهور الطالحين، وغربة ثانية: غربة الصالحين في الصالحين؛ لأن الصالحين هنا قسمان: صالحين اتجهوا إلى عبادة الله قسم منهم على سنة رسول الله، وقسم منهم خرجوا عن سنة رسول الله، من حيث لا يشعرون أو يشعرون، حسابهم عند الله تبارك وتعالى.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن واقعنا في هذا الزمان، قال:«الغرباء: هم الذين يُصْلِحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي».
والآن أختم هذه الكلمة بمثال، لعل غيرَنا من إخواننا الحاضرين يشاركوننا في بيان ما يحكيه إن شاء الله أضرب لكم مثالاً واحداً، يبين لكم الخلاف الآن بين من يَدْعُون إلى إحياء السنة وإماتة البدعة، وبين الذين يناصرون البدعة على حساب إماتة السنة، لا نذهب بكم بعيداً، عندكم الآن الأذان، فهل الأذان في كل البلاد الإسلامية إلا البعض القليل منها، هل هو على السنة؟ الجواب: لا؛ لأن الأذان في كثير من البلاد له مقدمة وله مؤخرة، في بلاد أخرى وهذا الأكثر لابد لها من مؤخرة، والأذان كما نعلم جميعاً في السنة يبدأ: بالله أكبر .. الله أكبر، وينتهي: لا إله إلا الله ... هذا هو أذان بلال، وأذان ابن أم مكتوم وأذان أبي محذورة ... هؤلاء من أشهر مؤذني الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يُؤَذِّنون في زمانه، لا يُقَدِّمون شيئاً ولا يُعَقِّبون على الأذان شيئاً آخر، هذا هو السنة بالاتفاق.
لكن الذين يناصرون البدعة، يقولون: هذه البدعة حسنة، أي: زيادة على الأذان سواء كان من قبل أو من بعد، وهذا أمر كتب فيه رسائل بين أنصار السنة وأنصار البدعة، ولا أُريد أيضاً أن أقف هنا كثيراً؛ لأني أعتقد أن الحاضرين إن شاء