الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير هؤلاء الغرباء.
والتفسير جاء على نوعين: أحدهما: لما قيل له: «من هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»، وهذه الحقيقة لا يشترك في معرفتها خاصة الناس وهم العلماء، بل بعض العلماء، وإنما كل المتدينين يلمسون هذه الحقيقة؛ وذلك يتضح من السؤال التالي: هل أكثر المسلمين اليوم يطيعون الله في أحكام دينهم، أم يعصونه؟ يعصونه، الأكثرون هم المخالفون.
فإذًا: صدق هذا الحديث: «الغرباء: هم ناس قليلون صالحون، بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»، الذين لا يصلون أكثر من الذين يصلون، الذين لا يتقون الله في أنفسهم وفي ذويهم ونسائهم وبناتهم وأولادهم أكثر من الذين يتقون وهكذا.
لكن هناك شيء آخر الغرباء ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يُطيعهم، المعصية قسمان: قسم الأمر معروف فيه باتفاق المسلمين كالأمثلة السابقة كالصلاة مثلاً، تبرج النساء، فهذا فرض وذاك محرم كل هذه الأحكام متفق عليها بين المسلمين، مع ذلك فأكثر الناس لها تاركون ومخالفون.
لكن هناك أحكام أخرى، يختلف فيها علماء المسلمين أنفسهم، يخرج مثلاً خلافهم في البدع الحسنة والبدع السيئة، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صَرَّح في أكثر من حديث واحد فقال:«وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقال في الحديث الآخر:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد» مع هذه الأحاديث وغيرها تسمعون اليوم بعض من يُنْسَب إلى العلم يقول: هناك بدع حسنة، فهنا خلاف بين طائفتين من خاصة المسلمين وهم العلماء، فطائفة تقول بقول الرسول:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وطائفة تقول: لا، هذا الحديث ليس على عمومه، وإنما هناك بدعة حسنة، وأيضاً هذا يحتاج إلى درس خاص ولا أستطيع الخوض فيه الآن، وإنما التذكير بمعنى هذا