[قال الإمام]: يدل هذا الحديث على أمرين: الأول: أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه وجب تأجيله، ومنه أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة «دفع المفسدة، قبل جلب المصلحة». الثاني: أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث لزوال السبب الذي من أجله ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وهو أن تنفر قلوب من كان حديث عهد بشرك في عهده - صلى الله عليه وسلم -، وقد نقل ابن بطال عن بعض العلماء «أن النفرة التي خشيها - صلى الله عليه وسلم -، أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم». ويمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي:
١ - توسيع الكعبة وبناؤها على أساس إبراهيم عليه عليه الصلاة والسلام، وذلك بضم نحو ستة أذرع من الحجر.
٢ - تسوية أرضها بأرض الحرم.
٣ - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية.
٤ - جعل البابين منخفضين مع الأرض لتنظيم وتيسير الدخول إليها والخروج منها لكل من شاء.
ولقد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد قام بتحقيق هذا الإصلاح بكامله إبان حكمه في مكة، ولكن السياسة الجائرة أعادت الكعبة بعده إلى وضعها السابق وهاك تفصيل ذلك كما رواه مسلم، وأبو نعيم، بسندهما الصحيح عن عطاء قال: «لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم، يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس، أشيروا على في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها، أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها: أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتا أسلم الناس عليه، وأحجارا أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟ ! إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس، أن ينزل بأول الناس يصعد فيه