أمر من السماء! حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء، تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه.
وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«فذكر الحديث بالزيادة الأولى ثم قال»: فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس، فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أسا نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا، فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه، فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه، وأعاده إلى بنائه». ذلك ما فعله الحجاج الظالم بأمر عبد الملك الخاطئ، وما أظن أنه يبرر له خطأه ندمه فيما بعد. فقد روى مسلم وأبو نعيم أيضا عن عبد الله بن عبيد قال:«وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا حبيب «يعني: ابن الزبير» سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها قال الحارث: بلى أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قلت: فذكر الحديث» قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم، قال: فنكث ساعة بعصاه ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل». وفي رواية لهما عن أبي قزعة:«أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول: سمعتها تقول: «فذكر الحديث». فقال الحارث بن عبد الله بن ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير».
أقول: كان عليه أن يتثبت قبل الهدم فيسأل عن ذلك أهل العلم، إن كان يجوز له الطعن في عبد الله بن الزبير، واتهامه بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد تبين لعبد الملك صدقه رضي الله عنه بمتابعة الحارث إياه، كما تابعه جماعة كثيرة عن عائشة رضي الله عنها، وقد جمعت