من صريح النهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال جمع رحل: وهو للبعير كالسرج للفرس. وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور ويدل عليه قوله في اللفظ الثاني:«إنما يسافر».
قوله:«إلا إلى ثلاثة مساجد» قال الحافظ:
«الاستثناء مفرغ والتقدير: لا تشد الرحال إلى موضع ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد كما سيأتي».
قلت: وهذا ضعيف والصواب الأول كما سنذكره. ثم قال:
«وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم والثاني كان قبلة الأمم السالفة والثالث أسس على التقوى.
واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني:
«يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث».
وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة. ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له:«لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت» واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة.
والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية: أنه لا يحرم وأجابوا عن الحديث بأجوبة منها:
أن المراد: أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف