ومعنى هذا: أن هناك وسائل شرعية لا يمكن للعقل البشري أن يُدْرِك تأثيرها، هذه الوسائل تَحُول بين المصلي وبين أن يتعرض الشيطان للإخلال بصلاته على الأقل، أو لإبطالها من أصلها، فنحن نسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذا الحديث آمراً لكل مُصَلٍّ أن يصلي إلى سترة، وهنا أدب آخر جاء بيانه في رواية أخرى، فينبغي التَنَبُّه لها، ألا وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلى أحدكم فليدْنُ من سترته». الحديث الأول أو الرواية الأولى كانت:«فليُصَلِّ إلى سترة» لكن قد يسأل إنسان: إذا صليت أنا هنا والسترة هناك، فهل هذه سترة؟
الجواب في الرواية الثانية:«إذا صلى أحدكم فليَدْنُ من سترته».
فلا بد أن يكون قريباً منها، وهذا القُرب جاء بيانه أيضاً في السنة، وهكذا فالسنة يُكَمِّل بعضها بعضاً، فهل يقترب المصلي من السُتْرَة بحيث أنه يكاد أن يمس برأسه السترة التي بين يديه، أم لا بد أن يكون بين رأسه وبين سترته فسحة وفراغ؟
الجواب: نعم، لا بد أن يكون بين موضع سجود المصلي وبين السترة ممر شاة، جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بين مصلاه أي: موضع سجوده، وبين السترة ممر شاة.
فإذاً: لا يبتعد عنها، ولا يدن منها، بحيث يكاد ينطحها برأسه، لا، وإنما يجعل بينه وبينها ممر شاة، تقريباً شبر أو قريباً من شبر.
إن من أهمية هذه السترة كما سيظهر لكم، تظهر هذه الأهمية في المسجد الحرام، لكثرة امتلاء المصلين بالمارَّة بين أيديهم، وبخاصة مرور النساء، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«يقطع صلاة أحدِكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود».
فإذاً: لهذه السترة وظيفتان: الوظيفة الأولى عامة، وهي أنها تحول بين الشيطان وبين أن يعرض صلاة هذا المصلي وراء السترة لشيء من النقصان، والأهمية الأخرى هي أن هذه السترة تحول بين المصلي وبين بطلان صلاته، إذا مر بين يديه واحد من الأمور الثلاثة، المرأة أو الحمار أو الكلب الأسود.
أما إذا كان يصلي إلى سترة، فلا يَضُرُّه بعد ذلك ما مَرَّ بين يديه، سواء كان جنساً من هذه الأجناس الثلاثة، أو كان شيئاً آخر.