من ذلك -مثلا- مما يحضرني: صلاة من صَلَّى صلاة الفجر في منزله، ثم أتى المسجد فوجدهم يصلون، فهو يصلي معهم وإن كان الصلاة بعد صلاته منهي عنها، وهكذا.
فإذاً: نُخَصِّص أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة بحديث «إذا دخل أحدكم مسجد» لأن هذه أحاديث النهي عن الصلاة قد دخلها تخصيص، ومعنى ذلك أنه مما يضعفها، بينما عموم حديث «إذا دخل أحدكم المسجد» لَمِّا لم يُخَصّص بقي على عمومه الشامل، فيمكن تقديم هذا العموم المطلق على ذاك العموم المُخَصَّص، وتكون النتيجة:«لا صلاة بعد العصر لا صلاة بعد الفجر، إلا تحية المسجد»؛ لذاك العموم الذي لم يدخله تخصيص، هذا الوجه الأول.
الوجه الثاني: قلت وهو قياس أولوي، تعلمون جميعا إن شاء الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما دخل سُلَيْكٌ الغِطْفاني ورسول الله يخطب وجلس، فقال له:«يا غلام أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين» ثم التفت إلى الجالسين هنا، ثم التفت إلى الحاضرين، فقال:«إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليصل ركعتين وليتجوز فيهما» الصلاة والخطيب يخطب منهي عنها، صلاة النافلة منهي عنها، فإذا وجدنا الرسول عليه السلام قد أمر بصلاة التحية في هذا الوقت المنهي فيه الصلاة: صلاة النافلة بصورة عامة، أخذنا منه إشعارًا بأن صلاة التحية تصلى في الأوقات التي نُهِي عن الصلاة فيها، وهذا وقت يُنْهَى عن الصلاة فيه وهذا في الواقع من الفقه الذي لم يُذْكَر في كتب الفقه، فكتب الفقه حينما تذكر بالأوقات التي يُكْرَه الصلاة فيها، لا يذكرون وقت الخطيب يخطب أنه من الأوقات التي تُكْرَه الصلاة فيها؛ ولذلك فهنا فائدتان، الفائدة الأولى: أنه ينبغي ضم وقت الخطيب يخطب من الأوقات المكروهة، والفائدة الأخرى: أن هذا الوقت المنهي عن الصلاة فيه يُسْتَغل لإباحة صلاة التحية، فيُوَقَّت في الأوقات المكروهة الأخرى، بدليل أن الرسول عليه السلام قال والخطيب يخطب ««ليصلي ركعتين وليتجوز فيهما»».