هذا مع ملاحظة أن المقصود بالبكاء ليس هو مطلق البكاء، وإنما المقصود به النياحة وهو رفع الصوت، فبرفع الصوت إذا كان الميت لم ينصح ولم يذكر أهله قبل وفاته بأنه إذا جاءتني الوفاة فلا تصيحوا ولا تنوحوا لأن هذا يكون سبب ليس لعذابكم فقط بل سبب لعذابي أنا، على هذا يفسر الحديث.
وخلاصة ذلك: أن الميت الذي لم يذكر أهله بما يجب عليه من النصح إذا مات ألا يبكوا عليه فهذا الذي هو يعذب، والعذاب ليس هو بمعنى الألم والحزن وإنما هو بمعنى العذاب الذي يستحقه العاصي يوم القيامة أو في القبر، ويؤيد هذا المعنى من السنة ومن النظر أيضًا، أما السنة ففي رواية للمغيرة بن شعبة قال: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، بيمنا التفسير الثاني الذي فسر العذاب بالألم فهو يعني وهو في القبر، إنما حديث المغيرة يقول: يعذب يوم القيامة.
أما النظر فسأذكره قريبًا إن شاء الله .. فالتفسير الثاني أنه يتألم فمعنى ذلك: أن الميت إذا مات ما انقطعت علاقته مع الناس فهو يحس بهم ويتألم بألمهم، وهذا الكلام ليس صحيحًا؛ لأن الميت إذا مات انقطعت علاقته بهذه الحياة الدنيا فهو لا يسمع ولا يحس بشيء كما قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[فاطر: ٢٢] .. {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}[النمل: ٨٠].
فإذًا: الأموات لا يسمعون فكيف يقال: إن الميت إذا بكى أو ناح أهله عليه هو يحس ببكائهم ويتألم لألمهم، هذا المعنى مع مخالفته للحديث يعذب يوم القيامة فهو يخالف نصوص أخرى في الكتاب وفي السنة التي تدل على أن الميت لا يسمع ولا يحس، فإذًا: المعنى الأول هو المعنى الصحيح.