ما نصه: قلت: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقه على نبوته.
«إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه: إلا أنه كان بين ظهراني أهل، الكفر، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك، إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به».
فهذا - والله أعلم - هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظاهر الغيب.
فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان، وقد قضى حقه في الصلاة عليه، فانه لا يصلي عليه من كان في بلد آخر غائبا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كان السنة أن يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة.
فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة.
وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهة الصلاة على الميت الغائب، وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصاً بهذا الفعل، إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي، لما روي في بعض الأخبار «أنه قد سويت له أعلام الأرض، حتى كان يبصر مكانه»(١) وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة، كان علينا متابعته والايتساء به، والتخصيص لا يعلم إلا بدليل.
ومما يبين ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم، فصلوا معه، فعلم أن هذا التأويل فاسد، والله أعلم.
وقد استحسن الروياني - هو شافعي أيضا- ما ذهب إليه الخطابي «وهو مذهب أبي داود أيضا فإنه ترجم للحديث في سننه بقوله: «باب في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك»: واختار ذلك من المتأخرين العلامة المحقق الشيخ صالح
(١) وذكر النووي في «المجموع» «٥/ ٢٥٣» أن هذا الخبر من الخيالات! ثم ذكر حديث العلاء بن زيدل في طي الأرض للنبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى ذهب فصلى على معاوية في تبوك وقال أنه حديث ضعيف ضعفة الحافظ منهم البخاري والبيهقي. [منه].